الحسن ولد ماديك يرد : بيان رابطة علماء موريتانيا فتوى أم تدليس

-A A +A
خميس, 2015-04-02 19:15
الحسن ولد ماديك

رد الحسن ولد ماديك على بيان رابطة علماء موريتانيا حول الفتوى التي أصدرتها عن عدم شرعية الاسترقاق في موريتانيا ، منوها أن هذا القرار قدم تم سنة 1981 من طرف رابطة العلماء في موريتانيا آن ذاك ، و فيما يلي رد ولد ماديك.

بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد: فقد اطلعت اليوم على بيان رابطة علماء موريتانيا التالي: "إن رابطة علماء موريتانيا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية: بعد اجتماع مكتبها التنفيذي يوم الخميس 5 جمادى الثانية 1436 هجرية الموافق 26 مارس 2015 وتشخيصه للوضعية التي يعيشها البلد حاليا، وبعد النظر بإمعان على وجه الخصوص في الوضعية الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الموريتاني وبعد النظر في المقتضيات الشرعية الملزمة للجميع وبعد الاطلاع على الفتوى الصادرة عن العلماء سنة 1981م، وما ترتب عليها من قرار من طرف ولي الأمر بإلغاء الرق في موريتانيا فإن الرابطة تؤكد للجميع أنه اعتبارا من هذا التاريخ لم يعد في البلد استرقاق شرعي.اهـ محل الغرض منه فإذا به قد حمل في تلافيفه تدليسا ومغالطات ألخصها كالتالي:

ـ إعلان عدم شرعية الرق في موريتانيا اعتبارا من هذا التاريخ وفيه تدليس إذ يحتمل تاريخ البيان في 26 مارس 2015م ويحتمل تاريخ الفتوى 1981م ويلزم منه الاعتراف بشرعية الرق في موريتانيا قبل هذا التاريخ ويعني صراحة الفتوى بشرعية الاسترقاق بالنهب والخطف والحروب القبلية وتشريع الظلم والتجهيل والتسخير الذي ابتليَ به ضحاياه عبر التاريخ. ـ إعلان قصور القرآن والهدْيِ النبويّ عن علاج مشكل الاسترقاق في موريتانيا بدليل احتجاج المكتب التنفيذي لرابطة علماء موريتانيا بالوضعية الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الموريتاني وبدليل احتجاجهم بالنظر في المقتضيات الشرعية الملزمة للجميع اهـ

أي هي فتوى من قَبِيل المصالح المرسلة والاجتهاد والنظر يستعطف بها المكتب التنفيذي لرابطة علماء موريتانيا من لا يزالون يحلمون باستمرار ظاهرة الرقّ ليتنازلوا عن حقهم في تملك العبيد وملك اليمين مراعاةً للوضعية الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الموريتاني، ولكأن البيان يفرض صُلْحا بين طرفين متنازعين ليصرف الطرف المتضرر النظر عن الاسترقاق قبل هذا التاريخ مقابل تجريم الاسترقاق بعد هذا التاريخ، ويُلَوِّح البيان بالعصا لمن عصا حين يقول: "وعليه فإن كافة الممارسات المحتملة بعد هذا التاريخ تعتبر باطلة شرعا، وعلى كل الجهات المعنية، العمل على إنهاء المخلفات الناجمة عن هذه الظاهرة عبر التاريخ" اهـ محل الغرض منه.

وأقول للمكتب التنفيذي لرابطة علماء موريتانيا مهلا بل أنتم في غِنًى عن هذا التكلف والتدليس لو راعيتم الكليات التالية: أولا: أن الاسترقاق عبر التاريخ الإسلامي بعد تنزل قوله تعالى ﴿فإذا لقيتم الذين كفروا زحفا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشُدُّوا الوثاقَ فإما مَـنًّا بعدُ وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها﴾ في سورة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي هو الإذن من الله بتحرير رقاب الأسرى مَنًّا عليهم أو بفدائهم بأموالهم أو أموال أهليهم أو أموال الزكاة وفي الرقاب ويعني امتناع حالتين من معاملة الأسير الكافر هما قتْلُه أو استرقاقه، وإنما كان خلُقُ النبي الأمّيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم القرآن فحاشاه أن يخالفه ويرغبَ عنه، ولا تثبت صحةُ أي رواية تخالف هذا التشريع المحكم غير المنسوخ ولا يثبتُ نسخه بسلوك غير المعصومين ولا بإجماعهم منذ الفتوحات الأموية إلى بداية عصور الانحطاط أما ما وقع بعد عصور الانحطاط من الاسترقاق فبدافع التمتع وإشباع غريزة التسلط وبوسيلة النهب والخطف والقتال في سبيل التملك والسيطرة والتدافع.

ثانيا: أن الاسترقاق في موريتانيا عبر التاريخ إنما أوجده النهب والخطف والحروب القبلية الجاهلية أي لم يكن شرعيا ولم يك باسم الإسلام وإنما كان نتيجة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، أما اليوم فإن الرق في موريتانيا لم يَعُدْ واقعا ملموسا على أرض الواقع إلا ما ارتضاه ضحاياه بسبب الجهل والتجهيل والتخفي عن سلطان القانون وينحصر النقص اليوم في محو آثار الرق اقتصاديا واجتماعيا وتعليما، أما على المستوى السياسي فقد وقع الإنصاف وتكافؤ الفرص. ثالثا: أن دين الإسلام ـ قرآنا وهدْيًا نبويا ـ تعامل مع الواقع غير الشرعي كقوله تعالى ﴿اذهب إلى فرعون إنه طغى﴾ النازعات، أي وصفه طبقا للواقع بصفة الملك غير الشرعي، وامتثل موسى كما في قوله ﴿وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين﴾ الأعراف، وكذلك لم يتضمّن تكليفَ العباد بتجاهل الواقع ولو كان غير شرعي كما أقرّ لابن الزنا حقَّه في الحياة والتربية وسائر حقوق بني آدم وأقرّ للمشركين حرمة معتقداتهم ومنها الأصنام رغم عدم شرعيتها كما في قوله ﴿ولا تسُبُّوا الذين يدعون من دون الله﴾ الأنعام.

ومنه قضَّةُ استرقاقِ يوسف صلى الله عليه وسلم وكيف انقطعت به الأسباب فبِيع بثمن بخس، وتعاملَ الصّدِّيقُ النبيّ يوسف مع الرِّقّ كأمْر واقع رغم عدم شرعيته، ولم يتضمن القرآن إعلان تحريره من الرق إذ كان استرقاقه من قبل غير شرعي. ومنه طغيان فرعون بقهْر بني إسرائيل وجعلهم عبيدا كما في قوله ﴿وتلك نعمة تـمُنُّها عليّ أن عبّدتّ بني إسرائيل﴾ الشعراء، من كلام موسى مخاطبا فرعون، ولم يتضمن القرآن إعلانا من فرعون بتحرير بني إسرائيل من الاسترقاق إذ كان استرقاقهم من قبلُ غيرَ شرعي.

ولم يقع في الكتاب المنزل تكليف باسترقاق الإنسان، وإنما سجل التاريخ والسيرة النبوية استرقاق زيد بن حارثة الذي انقطعت به السبل واختطفه الصعاليك فبِيع في مكة، وكذلك سلمان الفارسي الباحث عن الحقّ الذي انقطعت به السبل وهو في طريقه إلى المدينة وباعه من غدروا به فاشتراه يهودي في المدينة، وتعامل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مع الواقع غير الشرعي فأعان سلمان الفارسي على فداء نفسه من الرقّ. ولم يقع في العهد النبوي غيرُ شراء العبيد لعِتقهم وتحريرهم من تملِّك الجاهليين كما اشترى الصّدّيق رضي الله عنه بلالا الحبشي لتحريره من سلطان الكافر.

وكتبه/ الحسن محمد ماديك متخصص في تحرير القراءات العشر الكبرى صاحب مدرسة في القراءات والتفسير وفقه المرحلة