فريضة الزكاة والتمييز الايجابي/د. محمد الأمين ولد عالي

اثنين, 2015-05-11 21:00

صدرت اليوم فتوى من فقية موريتاني تدعو إلى التمييز الايجابي في مجال الزكاة وذلك لصالح شريحة معينة من شرائح مجتمعنا الموقر. وبحثا عن الحق وأهله أراد الباحث هنا التنبيه إلى أمرين اثنين :

الأمر الأول: يقول الفقيه في صدد فتواه تلك "إن شريحة (....) تحتاج اليوم إلى تمييز إيجابي في صرف الزكاة نتيجة لانتشار الفقر في أوساط هذه الشريحة الخيّرة ".

فهل التمييز الايجابي حكم جديد من أحكام الزكاة؟ وهل هو مصرف تاسع من مصاريف الزكاة ؟ لم نسمع بهذا ، ولم يرد في كتاب ولاسنة الاشارة من قريب أو من بعيد إلى التمييز الايجابي في الزكاة ولكن الله تعالى حَدد تلك المصارف من فوق سبع سماوات في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]، ) فحددت الآية الكريمة الأصناف الثمانية من مستحقي الزكاة .الأمر الثاني يقول الفقيه: قاصدا الأغنياء (وعليهم – حينها – أن يدفعوا هذه الزكاة إلى من يعتقدون أن دفعها إليه أرضى لربهم وأقرب إلى أن يدفعها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان حيا بين ظهرانينا)،هل تأكدنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم موافق على هذه الفتوى ،وهل هذا توقير لمكانته صلى الله عليه وسلم .

وبدل الخوض في هذه الأمور ـ كان يمكن لنا أن نناشد السلطات فرض قوانين زكوية تنظم جمع الزكاة وصرفها خاصة من تلك البنوك التي تسمي نفسها إسلامية.و و الله لو جُمعت الزكاة ووُزعت على كل شرائح مجتمعنا لكفتهم .وقد تم القضاء تماما على الفقر في عهد عمر بن العزيز رضي الله عنه بسبب الانتظام في دفع الزكاة والتطبيق الحرفي لأحكامها.

إن الفتوى اليوم لم تعد فتوى فردية وإنما صارت القضايا متشعبة وخطيرة وبالتالي فحسب رأي الباحث لايجوز الاقدام على هذا النوع من الفتاوى إلا بعد تمريرها من المجامع الفقهية أو المستفيضة من العلماء .

وتعتبر قرارات المجامع فتوى جماعية مقدمة على الفتوى الفردية وأقوى منها ، ولذلك لانقول أجمعوا الآن ولكن نقول اجتهدوا .وعلى سبيل المثال لا الحصر فلقد مكث مجمع الفقة الاسلامي تسع سنوات في أربع دورات يناقش نازلة مالية واحدة هي نازلة ( بطاقة الائتمان المصرفية ).

إنني أنصح فقهاء بلاد شنقيط وموريتانيا حديثا بالآتي:

أولا: ـ الاهتمام بفقه الواقع و أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار.

وهذا مانص عليه قرار المجمع بشأن الفتاوى والنوازل المعاصرة والصادر منذ تشرين الأول (نوفمبر) 1998موالذي يوصي بمايلي:

(2) دعوة القائمين بالإفتاء من علماء وهيئات ولجان إلى أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار، سعيا إلى ضبط الفتاوى وتنسيقها وتوحيدها في العالم الإسلامي.

(3) الاقتصار في الاستفتاء على المتصفين بالعلم والورع ومراقبة الله عّز وجّل.

(4) مراعاة المتصدرين للفتيا لضوابط الإفتاء التي بينها العلماء، وبخاصة ما يلي:

‌أ- الالتزام بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها من الأدلة الشرعية، والتـزام قواعد الاستدلال والاستنباط.

‌ب- الاهتمام بترتيب الأولويات في جلب المصالح ودرء المفاسد.

‌ج- مراعاة فقه الواقع والأعراف ومتغيرات البيئات والظروف الزمانية التي لا تصادم أصلا شرعيا.

ثانيا :ـ أن الفتوى الفردية في العصر الحديث لم تعد صالحة تماما للاجابة على النوازل المعاصرة وذلك لتشعب القضايا وخطورتها ، وإنما ينصح بالاسترشاد بالعلماء والمتخصصين واستشارتهم ، وكذلك الاستفادة من الفتاوى الجماعية وفتاوى المؤسسات، ولذلك أنشأ في موريتانيا المجلس الأعلى للفتوى والمظالم لهذا الغرض حسب علمي .

ونختم هذا المقال بنشر قرار المجمع المتعلق بالاجتهاد المعاصر في مجال الزكاة وهو:

قرار رقم 165(3/18)

بشأن تفعيل دور الزكاة في مكافحة الفقر وتنظيم جمعها وصرفها بالاستفادة من الاجتهادات الفقهيةالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين. إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24إلى29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9-14تموز (يوليو) 2007م. بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع تفعيل دور الزكاة في مكافحة الفقر، وتنظيم جمعها وصرفها بالاستفادة من الاجتهادات الفقهية، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.

قرر ما يأتي:

أولاً:الأموال غير المنصوص عليها محل اجتهاد بشأن زكاتها أو عدمه، إذا توافرت في الاجتهاد الشروط والضوابط.

ثانياً:ليس على المزكي تعميم الأصناف الثمانية عند توزيع أموال الزكاة. أما إذا تولى الإمام، أو من ينوب عنه، توزيع أموال الزكاة فينبغي مراعاة تعميم الأصناف عند توافر المال وقيام الحاجة وإمكان الوصول لتلك الأصناف.

ثالثاً: الأصل أن تُصرف الزكاة فور استحقاقها أو تحصيلها، ويجوز تأخير الصرف تحقيقاً للمصلحة، أو انتظاراً لقريب فقير، أو لدفعها دورياً لمواجهة الحاجات المعيشية المتكررة للفقراء ذوي العجز.رابعاً:مصرف الفقراء والمساكين:

* يصرف للفقراء والمساكين ما يسد حاجتهم، ويحقق لهم الكفاية ولمن يعولون ما أمكن، وذلك وفق ما تراه الجهات المسؤولة عن الزكاة.

* ويصرف للفقير –إذا كان عادته الاحتراف- ما يشتري به أدوات حرفته، وإن كان فقيراً يحسن التجارة أعطي ما يتجر به، وإن كان فقيراً يحسن الزراعة أعطي مزرعة تكفيه غلتها على الدوام. واستئناساً بذلك يمكن توظيف أموال الزكاة في مشروعات صغيرة كوحدات النسيج والخياطة المنزلية والورش المهنية الصغيرة، وتكون مملوكة للفقراء والمساكين.

* ويجوز إقامة مشروعات إنتاجية أو خدمية من مال الزكاة وفقاً لقرار المجمع 15(3/3).خامساً:مصارف الزكاة الأخرى:

أ- العاملون عليها:

1- يدخل في (العاملين على الزكاة) في التطبيق المعاصر المؤسسات والإدارات ومرافقها المنتدبة لتحصيل الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء وفق الضوابط الشرعية.

2- ضرورة أن تتمتع مؤسسة الزكاة باستقلال مالي وإداري عن بقية أجهزة الدولة الأخرى، مع خضوعها للإشراف والرقابة ضماناً للشفافية، ولتنفيذ ضوابط الإرشاد الإداري.

3- المؤسسات المخولة نظاماً بجمع الزكاة وتوزيعها يدها يد أمانة لا تضمن هلاك المال الذي في يدها إلا في حالتي التعدي أو التقصير، وتبرأ ذمة المزكي بتسليم الزكاة إلى تلك المؤسسات.

ب- المؤلفة قلوبهم:

1- سهم المؤلفة قلوبهم باق ما بقيت الحياة لم يسقط ولم ينسخ، ويكون حسب الحاجة والمصلحة، فحيثما وجدت المصلحة أو دعت إليه الحاجة عُمل بهذا السهم.

2- يجوز إعطاء الزكاة لتأليف قلوب من أسلم حديثاً؛ تثبيتاً لإيمانه وتعويضاً له عما فقده، وكذلك إعطاء الكافر إذا رجي إسلامه، أو دفعاً لشره عن المسلمين.

3- يجوز تقديم الدعم من أموال الزكاة للمنكوبين من غير المسلمين في مناطق الكوارث والزلازل والفيضانات والمجاعات تأليفاً لقلوبهم.

ج- في الرقاب:

1- يشمل سهم (في الرقاب) افتداء الأسرى المسلمين.

2- يجوز دفع الزكاة لتحرير المختطفين المسلمين، وتحرير أسرهم ممن اختطفوهم.

د- الغارمون:يشمل سهم الغارمين من ترتبت في ذمتهم ديون لمصلحة أنفسهم، ومن استدان لإصلاح ذات البين بالضوابط الشرعية، ويلحق بذلك تسديد الديات المترتبة على القاتلين خطأ ممن ليس لهم عاقلة، وديون الميت إن لم يكن له تركة يوفى منها دينه. وهذا إذا لم يتم دفعها من بيت المال (الخزانة العامة).

هـ- في سبيل الله:يشمل المجاهدين في سبيل الله، والمدافعين عن بلادهم، ومصالح الحرب المختلفة المشروعة.

و- ابن السبيل:

1- ابن السبيل هو المسافر في غير معصية وليس بيده ما يرجع به إلى بلده، ولو كان غنياً في بلده.

2- تقديم العون المالي من خلال إنشاء صندوق يخصص لمساعدة النازحين داخل أوطانهم أو خارجها بسبب الحروب أو الفيضانات أو المجاعات أو الزلازل أو غير ذلك.

3- مساعدة الطلبة الفقراء الذين ليس لهم منح دراسية خارج بلادهم وفق المعايير المعمول بها في هذا الخصوص.

4- المهاجرون المقيمون إقامة غير نظامية في غير بلدانهم وانقطعت بهم السبل، فيعطون من الزكاة ليعودوا إلى بلدانهم.

5- سد حاجة المنقطعين من طلبة العلم والمسافرين ممن لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم.

التوصيات:

نظراً لحاجة الأمة الإسلامية إلى تنظيم الزكاة على قاعدة مؤسسية جمعاً وتحصيلاً بشكل معاصر منضبط بالأحكام الشرعية، فإن مجلس المجمع يدعو الجهات المعنية بالزكاة في العالم الإسلامي إلى التنسيق بينها، والعمل على إقامة مشروعات مشتركة لمساعدة الفقراء والمساكين. كما يوصي بما يأتي:

1- حث الأفراد على دفع زكواتهم إلى الهيئات التي تنشأ بترخيص من الدول، ضماناً لوصولها إلى مستحقيها، وتفعيلاً لدورها دينياً وتنموياً واجتماعياً واقتصادياً.

2- الاهتمام بالجانب الإعلامي للزكاة باستخدام كافة وسائل الإعلام المرئي والمسموع وغيرها لتوعية المجتمع بمكانتها وأهميتها ودورها البناء في إصلاح الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

3- وضع معايير شرعية ومحاسبية لأوعية الزكاة.

4- وضع نماذج محاسبية زكوية تمثل إرشادات لحساب وعاء كل زكاة تساعد في التطبيق العملي في ضوء المعايير الزكوية الشرعية.

5- الاستفادة من تقنية صناعات المعلومات وشبكات الاتصالات والقنوات الفضائية في تبصير المسلمين بقضايا الزكاة المعاصرة، ودورها في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية على مستوى الأمة الإسلامية.

6- حث الدول على تخفيف الضرائب عن المزكين، بحيث يخصم ما يزكون به من الضرائب المفروضة عليهم؛ وذلك تشجيعاً للأغنياء المسلمين على دفع زكوات أموالهم.

7- تدريس فقه ومحاسبة الزكاة -باعتبارها الفريضة الثالثة في الإسلام- في الجامعات والمعاهد.والله أعلم.