الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة (15) / المرابط ولد محمد لخديم

اثنين, 2015-07-20 17:43

 للجواب على هذا السؤال وبعودة الى الطرق التى اعتمدناها في هذا البحث سنطبق هنا الطريقة العلمية للبرهان لنرى أن اعتقاد الملاحدة فقد كل أساس كان يقف عليه!!

      يرى الباحث عاطف الزين أن إنكار الخالق في القديم والحديث لم يأت طبيعيا,

 وإنما جاء على مخالفته للأمر الطبيعي بتفسير ما يلزم بوجود الخالق تفسيرا مغلوطا يؤدي إلى إنكار وجوده, مستعرضا بالطرق العلمية والفكرية, رأيه, ومفندا في الوقت نفسه بالبرهان الدامغ إعتقاد الملحدين فى القديم والحديث؛        ففي العصر القديم رأوا أن العالم متغير بالمشاهدة والحس, وهذا ما لا سبيل إلى إنكاره وهذا يعني أن العالم حادث، لأن كل متغير حادث, وما دام حادث فهو مخلوق، أي وجد بعد أن لم يكن، ولكنهم رأوا أن تغيره، إنما في أجزائه التي يتكون منها، أما هو ككل فرأوه كما هو، فالكواكب لا تزال كما هي كواكب لم تتغير، والحياة لا تزال في الأحياء هي الحياة لم تتغير والإنسان ما يزال هو الإنسان لم يتغير، فتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس حادثا وإنما هو قديم أزلي لا أول له، فهو إذا، ليس مخلوق لخالق.        أما في العصر الحديث فرأوا أن حوادث العالم متعددة كما يشاهد ذلك بالحس فهي تنتقل من حال الى حال، ونقلها هذا وجعلها في حركة دائبة ليس ناتجا منها، فإنها بذاتها ومفردها لا تستطيع ذلك ولا تملك دفعه عنها. فكان الأمر الطبيعي أن يتوصلوا بذلك إلى وجود خالق للعالم ولكنهم توصلوا إلى عكس ذلك تماما، غذ قالوا  إن العالم بطبيعته مادي، وإن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة, وإن العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضا بصورة متبادلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة وان العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة وتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس بحاجة إلى عقل كلي، فليس بحاجة إلى خالق يخلقه لأنه مستغن بنفسه.          ويرد عاطف الزين على هذه الرؤى القديمة والحديثة بقوله:         1_ في القديم نجد أن تغير العالم أمر لا يمكن إنكاره والتغير ليس من أجازائه فحسب بل فيه أيضا ككل. غير أن التغيير لا يعني أن حقيقته قد تغيرت، وإنما وضعه في تغير دائم، فالإنسان والحيوان ونبتة الزرع والشجر والحجر تتغير من حال إلى حال بالمشاهدة، ولكن تغيرها هذا لا يعني أن الحجر يصبح برتقالة أو الحديد يصبح نبتة زرع. وهكذا.. وإنما التغير يكون بالصفات ويكون بالأحوال، وأما تغيره إلى شيء آخر فهو تبدل، والتبدل ليس هو البرهان وإنما البرهان هو وجود التغير.           وبناء على هذا ليس صحيحا أن العالم ككل لم يتغير، وليس صحيحا أن الكواكب لا تزال كما هي لم تتغير، وليس صحيح أن الحياة كما هي لم تتغير.          فالعالم في مجموعه بكل ما فيه من كون وإنسان وحياة يتغير فالكواكب متغيرة بالمشاهدة ومجرد حركتها هو تغيير، والإنسان متغير بالمشاهدة وانتقاله من طفل إلى شاب إلى هرم هو تغيير، والحياة, متغيرة بالمشاهدة وكونها تظهر في الإنسان والحيوان والنبتة والشجرة دليل على وجود تغيير فيها فهي متغيرة حتما، وبذلك ينقض ما ذهبوا إليه بأن العالم ليس حادثا لأنه ليس متغير ككل, وهذا كاف لإثبات وجود الخالق.       وأما بالنسبة لما قاله الماديون في العصر الحديث، فإننا نجد أن موضع الإنكار عندهم هو أنهم يقولون إن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضا بصورة متقابلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة.      وإن العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة. هذا موضع إنكار وجود الخالق عندهم.      فالتعقيد جاء إليهم من تفسير ما في العالم من تغيير وانتقال من حال إلى حال، وما فيه من وجود بعض الأشياء بعد أن لم تكن وانعدام بعض الأشياء بعد أن كانت، أو على حد تعبيرهم من تشكل المادة بأشكال مختلفة, ويفسرون ذلك بأنه يحدث من قوانين المادة وليس من شيء غيرها، فقوانين حركة المادة هي التي تؤثر في العالم، وهو يتطور تبعا لقوانين حركة المادة. هذا هو موضع الإنكار، ولذلك كان المطلوب هو حل هذه العقدة عندهم، أي كان محل البحث هو قوانين المادة وليس تغير العالم.       فإذا ثبت أن هذه القوانين لم تأت من المادة، ولا هي خاصية من خواصها، وإنما هي مفروضة على المادة فرضا ومن غيرها ومن خارجها، فإنه يكون هناك غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك تبطل نظريتهم وتحل العقدة عندهم، لأنه يكون العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة، بل سائرا بتسيير من أوجد له هذه القوانين وفرضها عليه فرضا، وأجبره على أن يسير بحسبها، فتنتقض النظرية وتحل العقدة.           أما كون هذه القوانين لم تأت من المادة فلأن القوانين هي عبارة عن جعل المادة في نسبة معينة أو وضع معين، فالماء حتى يتحول إلى بخار أو إلى جليد، إنما يتحول حسب قوانين معينة، أي حسب نسبة معينة من الحرارة.فإن حرارة الماء ليس لها في بادئ الأمر تأثير في حالته من حيث هو سائل لكن إذا زيدت أو نقصت حرارة الماء جاءت لحظة تعدلت فيها حالة التماسك التي هو فيها وتحول الماء إلى بخار في إحدى الحالات والى جليد في الحالة الأخرى فهذه النسبة المعنية من الحرارة هي القانون الذي بحسبه يجري تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، وهذه النسبة: أي كون الحرارة بمقدار معين لمقدار معين من الماء لم تأت من الماء، لأنه لو كانت منه لكان بإمكانه أن يغيرها وان يخرج عنها وإنما هي مفروضة عليه فرضا فدل ذلك على أنها ليست منه قطعا، وكذلك لم تأت من الحرارة، بدليل أنها لا تستطيع أن تغير هذه النسبة أو تخرج عنها، وأنها مفروضة عليها فرضا، فهي ليست منها قطعا، فتكون هذه القوانين ليست من المادة.أما كون هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة فلأن القوانين ليست أثرا من آثار المادة الناتجة عنها حتى يقال أنها من خواصها، وإنما هي شيء مفروض عليها من خارجها.          ففي تحول الماء ليست القوانين فيه من خواص الماء ولا من خواص الحرارة, لأن القانون ليس تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد, بل القانون: هو تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء.         فالموضوع ليس التحول، وإنما هو التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فهو ليس كالرؤية في العين التي هي من خواصها بل هو كون الرؤية لا تكون الا بوضع مخصوص.هذا هو القانون, فكون العين ترى خاصية من خواصها، ولكنها كونها لا ترى إلا في وضع مخصوص ليس خاصية من خواصها، وإنما هو أمر خارج عنها، وكالنار من خواصها الإحراق، ولكن كونها لا تحرق الا بأحوال مخصوصة ليست خاصية من خواصها بل هو أمر خارج عنها فخاصية الشيء هي غير القوانين التي تسيره، إذ الخاصية هي ما يعطيه الشيء نفسه وينتج عنه كالرؤية في العين وكالحريق في النار وما شاكل ذلك, ولكن القوانين التي تسيره الأشياء هي كون الرؤية لا تحصل من العين إلا بأحوال مخصوصة وكون الإحراق لا يحصل من النار إلا بأحوال مخصوصة وكون الماء  لايتحول إلى بخار أو جليد إلا بأحوال مخصوصة وهكذا...         وبهذا ثبت أن قوانين المادة ليست خاصية من خواص المادة، وإنما هي أمر خارج عنها..        وبما أنه ثبت أن هذه القوانين ليست من المادة ولا خاصية من خواصها فتكون آتية من غيرها، ومفروضة عليها فرضا من غيرها ومن خارجها، وبذلك يثبت أن غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك يثبت بطلان الماديين لأنه ثبت أن العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة بل هو سائر  بتسير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليه فرضا، فيكون العالم بحاجة لمن وضع له هذه القوانين وفرضها عليه.          وما دام بحاجة إلى من فرض عليه هذه القوانين، فالعالم إذا ليس أزليا يعني انه وجد بعد أن لم يكن فهو مخلوق لخالق. وهذا الأزلي الخالق هو مدلول كلمة (الله)، أي هو الله سبحانه وتعالى.ماذا بعد عجز العقل البشر: ....يتواصل....