الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة (16) / المرابط ولد محمد لخديم

-A A +A
أحد, 2015-07-26 11:24

 بعد تطبيقنا للقاعدة العلمية سننتقل الى الطريقة العقلية حتى نستكمل جميع الطرق الفكرية التى اعتمدها الانسان قديما وحديثا للبرهان,     من المعلوم أن هذه الروح التى بين جنبينا  لا توجد في غير الإنسان وتعطيه من الصفات ما لا يتوفر لكائن آخر على الأرض، فالروح تعطيه القدرة

على التلقي والتعليم وتخزين المعلومات فيما يعرف بالذاكرة.  ثم ربط ما يتلقاه بما لديه من معلومات سابقة لتتم بعد ذلك عملية التفكير، وتعرف بأنها منهج معين للبحث يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق نقل الحس بالواقع، بواسطة الحواس، إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع، فيصدر حكمه عليه. مثلا لو سئلت عزيزي القارئ عن معنى كلمة (وضيمة) لوقفت متحيرا مرتبكا بماذا تجيب؟ وقلت أخيرا لا أدري، مع أن كلمة وضيمة هي الواقع الذي وقع تحت طالة سمعك وسميت واقعا لأنها وقعت عليها إحدى الحواس الخمسة وكل شيء يقع تحت طائلة إحدى الحواس يسمى واقعا، وكلمة (وضيمة) التي هي الواقع وقعت تحت السمع نقلت فورا بواسطة السمع إلى الدماغ فانطبعت فيه وميزت عن سواها من الانطباعات، نتيجة لهذه العملية التي جمعت ثلاثة عوامل ألا وهي:          1_ الواقع: الذي هو كلمة وضيمة          2_ الإحساس بالواقع: ألا وهو السمع          3_ الدماغ: الذي يميز الانطباعات          وتكون العملية الفكرية قد احتاجت إلى العامل الرابع ألا وهو (المعلومات السابقة)، لذلك لم يتوفر عند صاحبها حكم واضح على الواقع ـ أي: عن معنى كلمة وضيمة. مع أنك أيها القارئ لو سئلت عن معنى كلمة (وليمة) لأجبت: دعوة إلى الطعام، لماذا أجبت بهذه السرعة؟ لأنه توفر لديك العوامل الأربعة وهي:           1_ الواقع: معنى وليمة           2_ الإحساس: الذي نقل هذا الواقع إلى الدماغ          3_ـ الدماغ: الذي ميز انطباع هذا الواقع          4_ المعلومات السابقة: التي ربطت بالعوامل الثلاثة، ونتيجة لهذه العملية الفكرية كان الحكم على الواقع وعلى الواقع واضحا. وكذلك عندما يقال لك إن كلمة وضيمة تعني: دعوة إلى الطعام في حالة الأتراح (االأحزان) ووليمة تعني دعوة إلى الطعام في حالة الأفراح. ويقع الكثير من الناس في أخطاء قاتلة بعدم التميز بين الإدراك العقلي والإدراك الشعوري (أي التميز الغريزي)، من ذلك جعلهم للطفل منذ ولادته عقلا وفكرا، ومنهم من جعل للحيوان فكرا، ومنهم من حده عدم التميز بين الفكر والغريزة أو الاهتداء الغريزي إلى الضلال في تعريف الفكر.       قد يقال أن بعض الحيوانات تتعلم أعمالا وحركات. وتعليل هذا أن تعلم هذه الأشياء متعلق بالغريزة الناتجة عن تكرار هذا الإحساس واسترجاعه تقليدا ومحاكاة, وليس عن عقل وإدراك. وهذا بخلاف الإنسان فان دماغه توجد فيه خاصية ربط المعلومات وليس  مجرد استرجاع الإحساس فقط، فأنت إذا رأيت رجلا مثلا في مكان ما وبعد مدة رأيته في مكان آخر فستسترجع إحساسك به ولكن إذا لم تأخذ عنه معلومات تربطها بوجوده فإنه لا يحصل لديك شيء عنه. عكس إذا أخذت معلومات عن وجوده في ذلك المكان, فان هذه المعلومات, تربطك بحضوره للمكان السابق ذكره ,وتدرك معنى حضوره لذلك المكان.        بخلاف الحيوان فانه لو استرجع الإحساس بذلك الرجل لا يدرك معنى حضوره، وإنما يحس بما يتعلق بالغرائز لديه عند رؤية ذلك الرجل.        فالحيوان يسترجع الإحساس, ولكنه لا يربط المعلومات, ولو أُعطيت إليه بالتعليم والمحاكاة. بخلاف الإنسان فانه يسترجع الإحساس ويربط المعلومات، فدماغ الإنسان فيه ناحية الربط، واسترجاع الإحساس، والحيوان له فقط استرجاع الإحساس، ولذلك اشتبه على الكثيرين التعريف بين عملية الاسترجاع وبين عملية الربط، فعملية الاسترجاع لا تكون إلا فيما يتعلق بالغرائز والحاجات العضوية ولكن عملية الربط تكون في كل شيء.         وميزة الإنسان على الحيوان إنما هي في خاصية الربط ولذلك فان كون الإنسان يعرف من عدم الخشية انه يمكن أن يجعل من الخشب سفينته، وكذلك  مثل كون القرد يعرف إن إسقاط الموزة من قطف موز معلق يمكن أن يحصل من ضربة بعصا أو أي وسيلة أخرى، فجميع هذا وأمثاله متعلق بالغرائز والحاجات العضوية، وحصول هذه الأعمال حتى لو ربطت وجُعلت معلومات هي عمليات استرجاع وليست عملية ربط.        ولذالك لاتكون عملية عقلية ولا تدل على أن هناك عقلا أو فكرا,  فالحكم على الأشياء ما هي؟ لا يتم إلا بعملية ربط وربط معلومات سابقة، حتى يوجد العقل أي حتى تكون العملية العقلية. ومن هنا كان لا بد أن تكون عند الإنسان الأول معلومات سابقة عن الواقع من قبل أن يعرض عليه الواقع، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى عن آدم عليه السلام (الإنسان الأول)(99)؛ ﴿ وعلم آدم الأسماء كلها﴾ (100)، ثم بعد ذلك قال عز وجل:           ﴿ يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾ فهذه الآية تدل على أن المعلومات السابقة لا بد منها للوصول إلى المعرفة، فآدم قد علمه الله سبحانه وتعالى أسماء الأشياء أو مسمياتها فلما عرضت عليه عرفها.       فالإنسان الأول وهو(آدم) قد أعطاه الله معلومات ولولا هذه المعلومات السابقة لما عرفها. فتكون المعلومات السابقة شرطا أساسيا ورئيسيا للعملية العقلية أي لمعنى العقل وهو الحكم على الشيء ما هو؟. وعلى ذلك فان الطريق القويم الذي يؤدي إلى معرفة العقل معرفة يقينية جازمة هو انه لا بد من وجود أربعة أشياء.       1ـ واقع.   2ـ إحساس بالواقع.  3 ـ دماغ.  . 4 ـ ومعلومات سابقة عن الواقع.لكن هل تنطبق هذه القاعدة العقلية على القرآن؟