الرصاصة سببها البرتقالة!!

أربعاء, 2015-08-12 18:21
أحمدو بزيد

لون البرتقال هو أقرب الألوان إلى اللون الأصفر الذي كانت العرب تعافه، وتتطير منه، حتى أصاب ذلك شهر صفر، فقد كرهوا العمل فيه لشؤمه عندهم، ففي الجاهلية كانوا يقولون: "إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر".

 

وقد جاء الإسلام ناهيا عن الطيرة، وبرأ من ذلك شهر صفر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولاصفر ولا هامة".

 

وظل العرب - حتى بعد مجيء الإسلام - يكرهون الأصفر دون عيافة له، وقد جانب النبي صلى الله عليه وسلم بلدة الصفراء لما استقبلها في طريقه إلى بدر.

 

وقال علماء النفس إن اللون البرتقالي قرين بالتفاؤل والتواصل، لكن أضافوا في المقابل أنه علامة للسطحية والتشاؤم.

 

ومن باب مذاق البرتقال فإن الناس لا يرغبون في الحامض حذر ما يسببه من ضرر يلحق المعدة، ومعلوم أن البرتقال من سادات الحوامض.

 

والنفس البشرية ميالة إلى الحلو البارد، وتعاف بطبعها المر والحامض، الذي كان مفضولا عند أهل الفضل، قال محمد ولد أحمد يوره:

 فالأولياء على جلالة قدرهم *** لا يقدرون على الشراب الحامض

 

أما خبراء التغذية فقد أفادوا أن البرتقال غني بمواد معدنية كثيرة منها الكبريت والنحاس، أما الكبريت فمعدٌ في أصله للاشتعال، وأما النحاس فكفى باسمه دلالة على نحسه.

 

ولا ينبت البرتقال إلا في التربة الدافئة، وما دامت الحرارة منبته، فقد لا ترجى منه البرودة في الأمور.

 

وقد وردت في القرآن أسماء بعض الفاكهة كالتين والعنب والرمان... وغيرها، وما ورد في الذكر لفظ البرتقال.

 

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من صام يوما تطوعا غرست له شجرة في الجنة ثمرها أصغر من الرمان، وأضخم من التفاح، وعذوبته كعذوبة الشهد، وحلاوته كحلاوة العسل... إلى آخر الحديث.

وما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بالبرتقال مثلا.

 

وفي الزمان الحديث استمر البرتقال ربيطا بما لا يحمد، ونذير شؤم، فما إن يرد ذكره، أو يتعلق بحدث إلا انقلب الحال - في الغالب - إلى غير محمود، أعذانا الله وإياكم.

 

لقد أثارت رواية "فتاة البرتقال" للكاتب النرويجي "جوستاين غاردر" إبان صدورها في الغرب جدلا كبيرا حول سؤال الوجود والكون والحب والشجاعة والحياة والموت... وربما ما كان لهذه الرواية أن تثير ما أثارت لولا العلاقة في التسمية بالبرتقال.

 

وفي كوريا الجنوبية هناك مسلسل يدعى "مربى البرتقال" يحكي قصة تدور أحداثها حول علاقة الحب بين البشر ومصاصي الدماء.

 

وليس برتقال العرب في زمانهم المعاصر بأحسن طالع من سالف زمنهم.

 

ضمن ديوان نزار قباني قصيدة عنوانها "البرتقالة" يفيض مطلعها بعبارات لا تدعو إلى الفأل الحسن، مثل: التقشير والذبح والنزيف...

يقشرني الحب كالبرتقالة...

يفتح في الليل صدري

ويترك فيه:

نبيذا وقمحا وقنديل زيت

ولا أتذكر أني انذبحت

ولا أتذكر أني نزفت

ولا أتذكر أني رأيت

 

من أعمال الروائي غسان كنفاني مجموعة قصصية عنوانها "أرض البرتقال الحزين" ولولا البرتقال لما اقترن الحزن باسم الرواية.

 

قلَّ بيت من بيوت العرب إلا دخلته أغنية "البرتقالة" العراقية، وقد سار سماعها سريان النار في الهشيم، واشتهر صاحبها الفنان "علاء سعد" لكن نحس البرتقال لاحقه، فعاجله الموت منذ سنوات قبل أن يصل ربيعه الخمسين.

 

وفي أدب العرب المعاصر فيلم مغربي يدعى "البرتقالة المرة" يروي حكاية حب لم يكتمل، امتزج فيه الحب والجمال والألم.

 

أما أكبر آفات وطامات البرتقال ما شهدناه قبل أعوام عندما صفعت الشرطية التونسية "فادية حمدي" بائع الخضار "محمد البوعزيزي" فأنقلبت عربته، وكان أكثر ما عليها البرتقال، فتناثر، وتطاير معه شرر الناس في شوارع تونس، فحمي الوطيس، وهرب بن علي، واشتعل العالم العربي شغبا، فسالت الدماء، وتهاوى القادة، وحل العالي مكان السافل، ولقحت الحرب عن حيال، وما زال شرها متصلا.

 

الأرض في موريتانيا لا تنبت البرتقال، وما عرف الموريتانيون هذا الضرب من الفاكهة إلا عند العرب.

ولما سلمت موريتانيا من ربيع العالم العربي، مسها اليوم خريف برتقالهم، فمثلما اختلط الحب والجمال والألم في فيلم "البرتقالة المرة" امتزج قبل ليال في مجمع "شنقيط ماركت" الفقر والمال والسلاح، لنشهد فصلا آخر من شؤم البرتقال.

 

فلو كان الرجل المعتدي أخذ غير البرتقال، لربما تركه العامل يذهب إلى أهله يتمطى، ولكن لعدم يمن العامل، قدر الله أن يختار الرجل برتقالة من بين الفواكه، فتطاير الشرر.

 

لقد قضت عادة حسن البيع عند العرب أن يزيدوا دراهم على ثمن البضاعة إكراما للعامل البائع، وهذه الزيادة تعرف بـ "البَقْشِيشْ".

والعادة هذه أشد احتراما في الغرب، فلا يشترون إلا زادوا إكراما.

 

ولسوء طالع عامل المجمع أبدل الرجل في "شنقيط ماركت" الثمن وزيادة الإكرام، بوعيدٍ وعراكٍ وضربٍ، إلى أن آل الشجار إلى رصاصة ما كان لها من سبب غير البرتقالة.