السيد رئيس الفقراء... أين العدالة في توزيع الثروة

جمعة, 2015-09-04 22:30
د. محمد ولد عبد الله - Mabdellahi2015@yahoo.fr

يتمثل الدور الأول للدولة في خلق وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، وبالمفهوم العام للعدالة، حيث يجب أن يحس المواطن بالعدالة عند التقاضي أمام المحاكم وتساوى الفرص في المقاولة مع جميع أفراد المجتمع وأن يشعر بإمكانية تحقيق الحياة الكريمة.

 

فيما يتعلق بالعدالة نجد أنه إلى حد الآن ما زال المواطن البسيط يشعر بأن مسار قضيته أمام المحاكم يرتبط بنوع خصمه، وأنه وحتى إذا حكمت له العدالة الموريتانية تبق معضلة التنفيذ قائمة أمامه، وهو ما يعتبر عائقا أمام جلب رأس المال الأجنبي ومحفزا لخروج رأس المال الوطني وهو ما بدأ يؤثر سلبا وبشكل واضح على النسيج الإنتاجي في البلد ومع كل ما قدمته المدونة الأخيرة للاستثمار من إجراءات مشجعة تظل في واقعها بعيدة عن ما عليه واقع الحال.

 

في الجانب المتعلق بتوزيع الثروة يمكن أن نرى واضحا عدم إمكانية تفهم أن يكون ما يتقاضاه أستاذ جامع بمؤهل باكلوريا زائد ثمانية أو أستاذا في الطب خلال ثلاثين سنة من الخدمة تتقاضونه سيادة رئيس الجمهورية في ثمانية عشرة شهرا (18 شهر)، ترون طبيعيا بأن دخل أستاذ ثانوية على طول فترة خدمته تتقاضونه سيدي رئيس الفقراء خلال سبعة أشهر (7 شهر) إذا قرنا الأمر بمواطن عاد بواب بإحدى الوزارات فإنكم سيدي الرئيس تتقاضون دخله طول فترة عمله في عشرة أيام في أحسن الأحوال، وما يجب فهمه السيد رئيس الجمهورية أن الأفراد لهم الحق في العيش الكريم ومنه تكون الحاجيات في غالبها متساوية بين الأفراد وقد تزيد لدى فقراء شعبنا لارتباط ذلك في غالب الأمر بعدد أفراد الأسرة (تم الاختيار باعتبار أنهم أحسن موظفي الدولة رواتب).

 

كما تغيب تلك العادلة في التوزيع إذا ما نظرنا إلى رواتب موظفي الدولة فالراتب يمثل مستوى إنتاجية الفرد، سيدي الرئيس تعلمون جيدا بأن رئيس قطاع في وزارة المالية أو الشؤون الاقتصادية راتبه (500000 أوقية) وهو ما يفوق مرتين راتب مدير مركزي في أي وزارة أخرى، وهو ما يعتبر صعب الفهم خاصة إذا ما قارنا المردودية والمؤهل العلمي، ولكم سيدي الرئيس أن تقارنون الأمر إذا ما أخذنا المدير كمثال للمقارنة، والأغرب من ذلك أن موظفي الدولة لا يملكون الجرأة للحديث عن هذا إلا في الصالونات أو مع من يثقون فيه من الأصدقاء. يبقى أن نعلم أن أفراد وزارة المالية يتقاضون علاوات أخرى لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال يتم تقسيمها عليهم بسبب وبدونه بالإضافة إلى الساعات الإضافية التي لم يقومون بها لغياب الحاجة إليها أصلا.

                                          

وفى مجال خلق الثروة يبقى الأمر أكثر تجليا فالدولة من فترة الرئيس السيد محمد خون ولد هيدالة أصبحت تخلق رجالات المال والأعمال مع كل فترة حكم إذا ما استثنينا الفترة الانتقالية لقصر الفترة. وما يصعب فهمه هو أنكم لم توفقوا في اختيار تلك الطبقة الجديدة مع أن الأمر لم يكن صعبا لتوفر رجالات أعمال ومال في محيطكم الاجتماعي، وأرى أن الأمر لا يحتاج إلى شرح أكثر فالكل يعلم أن من أصبحوا اليوم رجالات مال و أعمال لم يكون قبل 2008 معروفون خارج نطاق بورصة لبيع السيارات أو وسطاء (سمسارة) والبعض الآخر يعمل في مرافقة التجار الموريتانيين والمرضى في أسبانيا والغرب.

                     

المشكل القائم اليوم في البلد هو غياب العدالة بجميع معانيها في البلد وشعور الفرد الموريتاني اليوم بفقدان حتى الأمل في الحصول يوما على حياة كريمة في بلده لأنه كلما سأل عن شخص من محيطكم الاجتماعي يكون الجواب أصبح رجل أعمال ومن أكثرهم حضورا في المشهد الاقتصادي في البلد، أيها الأخ الرئيس لو دامت لغيرك ما وصلتك ولا تنسى كيف كان معاوية الخير وكيف أصبح اليوم!!

                                                                 

سيدي الرئيس، لقد غفلت أو تغافلت كمن سبقوك لحكم هذه الأرض السائبة عن خلق رجال أعمال من طبقة الحراطين والزنوج حتى يتولد على الأقل الأمل عند نشئهم بأنهم يمكن أن يكون يوما من بينهم رجالات مال وأعمال، وعكس ذلك تعمقون الفوارق بين مكونات الشعب وتساهمون في تمزقه. لا قدر الله.

                                               

السيد رئيس الفقراء المحترم، يجب أن تتم إعادة صياغة الرواتب في البلد في القطاعين العام والخاص وإلزام القطاع الخاص بتطبيق التشريعات المتعلقة بمدونة الشغل واحترام العامل وأن يتم إشراك الفاعلين الاقتصاديين والنقابات وأصحاب الرأي في الموضوع حتى نضع الآليات الكفيلة بتحقيق رب العمل للربحية المنشودة وأن يحس العامل بأن عمله يمكنه من العيش الكريم وأنه يعيش على أرض بلده الحبيب موريتانيا.

 

وفي الأخير السيد الرئيس يجب أن تعلم بأنه حتى أقرب مقربيك يتقاسمون معنا هذه الآراء لوضوحها لكن لا يوجد في الخلية المكلفة بالاستشارة ولا بمن تجلسونهم من يقد أو يجد الجرأة على النصح، ومنه أرتأيت أن أقدمها لكم بدوم مقابل سوى رجاء الأجر في الآخرة لوجوب نصحكم شرعا ولأنكم في أمس الحاجة إليه.

                                       

والله من وراء القصد