جمالُ الغرق!!! / أحمدو ولد بزيد*

أحد, 2015-09-06 08:19

ليتني في عالم اليوم سمعت مناديا ينادي بإرساء “قيم الحيوانية” والذود عن مساوئ الأخلاق لأرتاح لندائه، وأكون أول المصدقين.سوف يكون شيئا جميلا!!كذلك سيكون  من الصدق بمكان لو وجدنا مدافعا واحدا عن محارم حمى الباطل، ورعونات الضمائر.أيضا سيكون العالم سعيدا لو حصل طلاق البتة مع كلمات من قبيل: الصدق، والنبل، والشهامة، والكرامة، والوفاء، والسلم، والحب والخير…. بل سيكون العالم أسعد لو عاش الناس في زمانهم هذا بدون تعابير من نوع: الوفاء للمبادئ، وكرامة الإنسان، وحقوق الإنسان، وضمان الحقوق، والعيش الكريم، وتحقيق السلم، ونبذ العنف، والدفاع عن الشرف والكرامة…..لو وجدنا اليوم عصبة تدعو إلى الشر، وتأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، فإنها ستكون العصابة الوحيدة في دائرة الصراحة مع الذات في دنيا اليوم.لقد تصفحت أحوال العرب في يومهم هذا، فوجدت صناع الشر هم أكثر من يدعي محامد الأخلاق، ويكيل السِّباب لسوء الخلق وأهله.لم أعد مؤمنا بأن التاريخ يَكتب، أقول ملء فمي إني مللت تلك القولة، فما ذا يكتب التاريخ في حقب دهرنا المعاصر؟ ومتى سينهي كتاباته؟ وما ذا بعد كتاباته؟ وأي العرب تقض مضاجعه كتابة التاريخ؟ وهل كتابته ستغير من الأمر شيئا؟ إنها جملة من قاموس “خداعنا” الوافر المجتر.لو أمعنا ضئيل النظر في هواجس الحذر والخوف من “كتابة التاريخ” لألفينا – سريعا – سذاجة الأمر بالنسبة لـ “أمة العرب”!! تلك الأمة التي لا تعرف غير التاريخ، ولا تعيش إلا على التاريخ، ولا تستمد قوةً إلا من التاريخ، ولا تنظر إلا إلى التاريخ…. وما دامت تلك علاقة العرب بالتاريخ، فإنه يبقى أهم حليف لهم، ولن تضرهم كتاباته، ولا تسجيلاته، ولا تصويراته… ولا شيئا من ذلك.في خطابات بشار الأسد الطويلة المملة الوفيرة، وفي بيانات داعش، وأخواتها….. كثافة – لا يحدها الوصف – من التماهي في الذب عن مكارم الأخلاق، ومحامد القيم، وفي كلامهم حمولة تنوء بالعصبة أولي القوة من التحذير مما ستجره من وبالٍ كتابات التاريخ….فهل ستبقى بعد فعلاتهم، وأفاعيلهم في سوريا، علاقة بين “عرب اليوم” و”قيم الإنسانية” وهل مازالت لديهم محاذرة لما يرسمه قلم التاريخ؟؟؟!!لا، لن تتغير الأمور، ولن تتبدل الأحوال، فما بعد ظهور صورة الطفل السوري “إيلان كردي” – على حافة الشواطئ التركية – إلا الضلال….فما زال – والحمد لله – في “أمة العرب” منافقون وكذابون وسفاحون وجلادون، وزعماء وكتاب ووعاظ، وقردة وخنازير وكلاب وحمير ……أبدته الصور غريقا، ومات غرقا، وغيره من اللاجئين السوريين ماتوا جراء الغرق، فهل غرقت فعلا تلك البراءة في باكورة سنواتها؟ وهل قضى الماء على ذلك الحلم الجميل؟ وهل أنهت الأمواج مشروع سعادة أبوين؟في زمان تآلف الأضداد ووحدتها، وتبدّل التعابير ومدلولاتها… يمكنني القول إنه لم يغرق، إنما غرقنا نحن، وكنا مغرقون!!أنظرو يا “أمة التاريخ” إن كانت في عيونكم بقية بصيص نظر!! أنظرو جمال السوء، وروعة الخزي، ومحاسن العار…..أبصروا “قيم الحيوانية” في أبهى تجلياتها، وفرط النذالة في أوضح انعكاساته!!!انظروا نومة الطفل “إيلان” ما أروعها!! ورقدته ما أهدأها!! تأملوا يا “أمة جرائم الشرف” تسريحة شعره – التي لم تغيرها الأمواج – ما أجملها!!أمعنوا بنظركم “القصير” في “قميصه الأحمر” الذي يكتب بلونه تاريخ دمائكم!! قفوا قليلا مع “سرواله الأزرق” الذي لبسه على طهارته الأولى، وشده على عذرية لن يفتضها بشار وجنوده، ولا داعش وذبَّاحوها….أخيرا يا “أمة الترتيب الأخير” لا يفتكم “حذاءه” الذي يقول لكم: -في هدوء نومته، غير صارخٍ صراخكم المزعج – أنا أشرف منكم جميعا…*كاتب موريتاني مقيم في الولايات المتحدة - صحيفة رأي اليوم