حين زارنا الرئيس في الصين.. (1)

-A A +A
خميس, 2015-09-17 09:18

أتدرون لم ألغى سيادته لقاءه بالجالية؟!

هاتفني صديقي أحمدَ قبل أيام وفي صوته نبرة فرح وسرور لا تخطئها عين البصير .. وأحمد لمن لا يعرفه صديق عمر جمعتني وإياه سنوات الإعدادية وسنوات الثانوية قبل أن يقعد به حظه العاثر- كما يقول- في الباكلوريا، فيعيدها أكثر من مرة

 

وفي كل مرة يقيض الله له أساتذة يظلمونه أو يعطون درجاته لغيره، وحينما أعيته الباكلوريا ورأى أن لا مفر من خوض غمار مجال آخر يمم شطر سوق الهواتف التي كانت يومها في بدايتها فصال وجال، وأخيرا عاكسه الحظ مرة أخرى كما يقول.

 

رحل أحمد إلى أفريقيا يحمل هموما شتى ومآسي جمة ولم يطل به المقام هناك قبل أن يعود وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت الذي رآه رأي العين في حمى الملاريا التي فتكت بجسده النحيل فأنهكت قواه وأقعدته شهورا لا يعرف الليل من النهار قبل أن يعود محمولا على الأكتاف ليستقر به المقام في بيت مكون من غرفة و( امبار ) بركن قصي من مقاطعة دار النعيم.

 

أمضى أحمد زمنا على تلك الحالة ومعنوياته في الحضيض، وأذكر أنني استصدرت له تأشيرة زيارة إلى مدينة دبي أواخر العام 2003م ، حيث كنت أعمل يومها بتلك المدينة التي راقبت عن كثب صعودها المتسارع وتطورها المذهل.. كنت وأحمد نسهر في البيت بعد أن أعود من عملي نتذكر أيام المدرسة الجميلة ، كان أحمد تلميذا متوسطا لا هو من نخبة الطلاب ولا هو كذلك من (لحمير) كما يسمون في عرف التلاميذ، لكن الله وهبه حديثا حلوا ممتعا، فهو إن تحدث لا يمل حديثه وهو مبدع في الأفكار ونقاشها وتحويرها وتقليبها...

 

ودعت أحمد بمطار دبي الدولي ذات مساء بارد – على غير العادة-  وفي عيناه حنين إلى الأيام الجميلة التي أمضيناها معا فقد حركت فيه شجونا وأعادته إلى أيام الصبا الجميلة وكادت أن تخرجه من طور العزلة والنكد –كما يقول.

 

عاد أحمدو قبل أن تنتهي فترة التأشيرة ليحضر عرس أخته الصغري (توتو) من رجل سيتبين لاحقا أنه أحد أعمدة نظام ولد الطائع، وإن كانت معالم وظيفته في ذاك النظام غير واضحة، بيد أن ما عرفته من أحمد عنه أنه رجل ثري ثراء فاحشا وأنه يكبر توتو بأزيد من 37 سنة وأنها ستنتقل معه إلى أحد "قصوره" بتفرغ زينه.

 

لم يطل الوقت حتي دبر العريس الجديد لصاحبي أحمد وظيفة مساعد مخلص جمركي، وهكذ استطاع احمد بخلقه الدمث ومكانة زوج أخته أن يخلق له مكانا معتبرا في الميناء خلال فترة وجيزة...

 

إلى هنا والقصة بالنسبة لي مقبولة ومتفهمة لكن بعدا آخر سيطرأ عليها وهو دخول احمد إلى عالم السياسية والنشاط في خلايا الحزب الجمهوري الذي اصبح بين عشية وضحاها متحدثا من متحدثيه الشباب المعروفين، وأذكر أنني قرأت يوما في إحدى الصحف خبرا مفاده أن "السيد احمد ..." يعلن عن مبادرة شبابية لدعم توجهات القيادة الوطنية فلم أزد أن ابتسمت ابتسامة مستغرب ووضعت الجريدة جانبا..

 

جاءت الأيام بما حسبت أن السفن لا تشتيه فأطاح "خادم" ولد الطائع وحارسه الشخصي به في انقلاب أبيض، وحسبت أن صاحبي سيعاود الكرة مرة أخرى إلى "كزرة دار النعيم" لكنني فوجئت بعد الانقلاب بخمسة أيام بصاحبي وزوج أخته في مقدمة إحدى المسيرات الداعمة للنظام الجديد..

 

يومها لم أتمالك نفسي فأخذت الهاتف وكلمت أحمد.. وأنا مشمئز من ذاك السلوك ومن تبدل القناعات بهذه السرعة... لكن صاحبي كان على ما يبدو قد قطع أشواطا بعيدة في ما يراه "خيرا له"، لقد أتْبَع تلك المسيرات بزواج من نوع خاص يرتبط ارتباطا وثيقا بأحد قادة المجلس العسكري الجديد ولاحقا سيبدل صاحبي عتبة داره 3 مرات متتاليات تبعا لتبدل الأنظمة والأحكام في بلدنا المسكين المغلوب على أمره...

 

لم أعد أرى أحمد إلا من حين لآخر حين أزور نواكشوط الحبيبة... لقد أصبح له أكثر من منزل في تفرغ زينه وأصبحت له سيارات وشركات وأفكار جديدة بل والأغرب من ذلك أنه استخرج لنفسه نسبا جديدا وانتماءا لقبيلة لم أك أعلم أن له أي صلة بها من قبل...

 

انغمس أحمد حتى أذنية في دعم نظام ولد عبد العزيز وأصبح "الناشط الاعلامي والسياسي" يسافر لعواصم عدة وأماكن جمة في أوقات متقاربة...

 

وحينما ألقاه لا يصرف الوقت في غير الحديث عن أنه قابل الرئيس أو ابن الرئيس أو ...أو.. له مشاريع متفرقة ومصالح متعددة، لكنه والحق يقال مازال في دفء علاقته بي لم يتغير كثيرا، وهو دائما ما يقول إنني أنا الذي تغيرت عليه...

 

ولأنه سئم حديثي له ولومي له فقد أصبح كثيرا ما يتخذ سياسة (الهجوم خير وسيلة للدفاع) إذ كلما قابلني أو اتصل بي أو اتصلت به بدأ يحدثني عن محامد نظامه وعن حسناته وعن ضرورة أن ألتحق بالركب، وأني أضيع نفسي وقدراتي.. وباختصار فلأنه يحبني فإنه يحب أن يراني يوما قريبا في مقدمة صفوف أنصار ومحبي "ولد عبد العزيز"..

عذرا لعلي أطلت في التقديم فأحمد صديق بالفعل من نوع خاص...

هاتفني أحمد إذا من نواكشوط... كان الخط واضحا على غير العادة في المكالمات التي تأتي من البلد الحبيب  هذه الأيام، قال وهو منتشيا.. أخيرا جاءتك الفرصة في عقر دارك يا صديقي.. قلت وماذاك؟ قال سيزوركم رئيس الدولة بالصين خلال الأسبوع المقبل...

 

قلت بلا تكلف: مرحبا يا صديقي حمدا لله على أن سيدك سيزور الصين حتى تتذكرنا على الأقل... لست أدري عن أي فرصة تتحدث فرأيي في الرجل مازال كما تعرف... ثم قلت مبتسما: وأنا كما تعلم لست ممن يغير قناعاته بتلك السرعة...

 

قاطعني بسرعة وهو يقول: أعرف إلى ماذا تشير... لكنني لن أرد عليك الآن... المهم أن لا تضيع الفرصة وأن تكون في مقدمة المستقبلين فالأمر لا يتعلق بالمعارضة أو الموالاة.. الأمر أمر وطني بامتياز؛ وبحسب المعلومات التي أسر إلي بها بالأمس بعض موظفي البروتوكول، فسيخصص سيادة الرئيس من وقته الثمين جزءا معتبرا للقاءكم... فاحرص على أن تكون في المقدم... حاول أن تصافحه مبتسما، وإن استطعتُ أن أرتب لك لقاءا خاصا فسأفعل... قلت مقاطعا: يا أحمد... يا أحمد... لا أريد مقاطعتك ولا بتر أفكارك الجميلة بالنسبة لك، لكن الآن وقت الصلاة... دعني أصلي وأعود إليك بعد الصلاة.. لن يأخذ الأمر كثير وقت بإذن ربي...

 

دعونا نكمل بعد الصلاة، لنرى لم زار سيادته الصين ولم ألغى سيادته لقاء الجالية؟؟؟

 

يتواصل ..