التركيب الثنائي للعقل الداعشي

-A A +A
سبت, 2015-09-19 13:05
لشيخ أحمد البان - كاتب وشاعر

إن تفسير أي ظاهرة هو البداية الفعلية للتحكم فيها، ذلك بأن معرفة الدوافع المحفزة والخلفيات المؤسسة لظاهرة ما هي التي تمكن من القدرة على تفكيكها ومن ثم إبطالها أو دفعها بقوة، وقد ظل التطرف عصيا على التفسير رغم ما بذل من جهود وطنية وإقليمية ودولية لتفسيره والتحكم فيه.

 

لذلك لم تنجح كل المقاربات التي طرحت للقضاء عليه، بل بدا وكأن تلك المقاربات تؤججه وتزيد منه، ومع ظهور داعش برسالتها الدموية وسلوكها الوحشي عاد الحديث عن دوافع هذه الوحشية الشرسة أقوى من ذي قبل، ذلك بأنها صدمت المتخيل السياسي والواقعي للعالم بتصرفاتها التي أعادت همجية الإنسان البدائي للعيان.

 

وقد اتفق الباحثون على أن داعش تمثل تعبيرا عمليا للشباب العربي والإسلامي عن إحباطه ويأسه من التغيير السياسي السلمي، ومن تذمره من أوضاع الحياة المتردية ومصادرة الحريات الفكرية والدينية، بعد ما حصل في دول الربيع العربي وخاصة مصر وسورية، ورغم ما لهذا الطرح من وجاهة إلا أنه في نظري يمثل جزءا من التفسير وليس كله، وإلا كيف نفسر التحاق فتيات وفتيان في عمر الزهور بالتنظيم رغم وجودهن في دول غربية توفر متطلبات الراحة والرفاه والحرية والعيش الكريم؟

 

إن هذه الملاحظة تلزمنا بأن ندقق في مفهوم الإحباط من أجل إعطائه بعدا أكبر من نقص مستلزمات الحياة المادية فقط، فما هو الإحباط ؟

 

يعتبر الإحباط في علم النفس “استجابة عاطفية لحالة من الاعتراض، وترتبط بمشاعر الغضب، وينشأ الإحباط من مقاومة لتنفيذ رغبة الفرد”، فـ”الرغبة” هنا بمعنى الطموح، وهي تختلف من فرد لآخر.

 

فالمحبط هو ذلك الإنسان الذي يرى أن واقعه لا يحقق طموحاته الروحية أو النفسية أو المادية أو هم جميعا، وتسيطر عليه فكرة عدم القدرة على التغيير، فيظل يبحث عن أي صيغة تنقذه مما هو فيه، فيلتحق بالعمل الجماعي ويجد فيه الكيان المناسب لينسى همومه من أجل هموم الجماعة أو ليحقق طموحاته التي أدرك أن تحدي واقعه يمنعه من تحقيقها مفردا.

 

ولا يرتبط الإحباط بالفقر ولا بالغنى، فقد يحبط إنسان غني وييأس من الحياة إذا كان واقعه لا يكفل له تحقيق طموحاته الروحية أو الفكرية مثلا.

 

قد يكون من الضروري أن نستعيد هنا نظرية إيريك هوفر التي  تعتبر التطرف نتيجة التقاء عاملين، هما:

 

أ ـ نفسية المحبط الضائع: وهي نفسية هشة، تشبه إلى حد كبير نفسية الغريق الذي يتشبث بأي شيء ويرى فيه إمكانية إنقاذه، وكذلك المحبط الضائع فهو في الغالب لا يقوم بمساءلة المقترحات الواردة ولا بتمحيصها، إنه يرى كل شيء أفضل من الواقع الذي هو فيه.

 

ب ـ عقلية القائد الإجرامي: وهي عقلية تحمل رسالة تدمير للعالم لكنها محترفة بحث لا تريد أن تتولى التنفيذ ولا أن تظهر بشكل سافر في مسرح الجريمة، فتقوم باستغلال نفسيات المحبطين عن طريق توفير مناخ يمنحهم تجاوز حالة السلبية إلى حالة أخرى يفرغون فيها مراراتهم عن طريق تعذيب وقتل وتدمير ما حولهم.

 

يمتلك المحبط نفسه المحطمة ونقمته الشديدة على الواقع ولكنه يفتقد الشعور بالقوة على التغيير ويفتقد الأمل، فيأتي القائد الإجرامي بعقليته الاحترافية ليمنحه ما يفقد؛ أي يمنحه: الشعور بالقوة + الأمل، فينتج من ذلك اندفاع ثوري جموح.

 

فالإحباط إذن مادة خام قابلة للتفجير ولكنها لا تنفجر ذاتيا، بل لا بد لها من فتيلة يمثلها عقل إجرامي، وحين يقوم العقل الإجرامي باستغلال نفسية المحبط ينشأ من هذا الالتقاء تطرف تدميري.

 

قد تتمثل عقلية القائد الإجرامي في عصابة تريد تحقيق أهداف آنية وقد تكون دولا وأجهزة استخباراتية دولية وإقليمية تسعى لفرض رؤية محددة عن طريق الدم والنار والحديد.