طرائف الفتاوي.../محمد لغظف ولد أحمد

أحد, 2015-09-20 13:23

لن يضحك أحد كما سيضحك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لو أن الله بعثه إلينا ورأى بعض الناس في عصرنا هذا عاكفا على تطبيق كل شاردة وواردة من فتاويه، وسيضحك أكثر من الذين استخدموا فتواه وحرقوا شخصا بمادة كيميائية مشتعلة، وقد خالفوا في نفس الوقت فتوى أخرى للإمام تنص على تحريم الكيمياء وتكفير مستخدمها لأنها "مماراة لخلق الله وصنعه".

 

ولا أحد يضحكني مثلما يضحكني طالب محظري يفتي على التلفزة في أحكام الحيض ورؤية الهلال وهو الذي لم يدرس قط علم التكاثر ولا الجغرافيا.

 

ورحم الله الإمام ابن حنبل ما أتم ذكاءه ونضجه حين قال إنه مكث في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمه، وبالطبع لم يكن ابن حنبل يدرس في تلك السنين الأحكام الشرعية المتعلقة بالحيض، فتلك تكفيها أيام معدودات، ولكنه كان يدرس طبائع النساء ويسألهن ويستفتي القابلات ويسأل عن المراهقة والمرأة المكتملة ويسافر بحثا عن التمييز بين النساء، وهذا كله قد تبلور في أيامنا هذه حتى صار علما مستقلا أعتقد اعتقادا لا لبس فيه عندي أن تعلمه فرض عين على كل من تصدر للفتوى.

ليس سواء الفقيه الذي يتكلم في الحيض والتبرع بالدم وهو دارس لعلم الطب، والفقيه المتكلم في تلك الأمور وهو لم يدرسهن، وليس سواء عندي الفقيه المتكلم في رؤية الهلال وغروب الشمس وقد درس الجغرافيا الحديثة وعلم الأرض والفلك، والفقيه الذي يتكلم في ذلك ولا شيء في جعبته.

 

ونفس الحال بالنسبة لبعض الفقهاء المتصدرين للحديث في السياسة، يقعون ضحية الكوميديا ويصيرون كائنات طريفة عندما يظهر جهلهم بالسياسة الدولية وطبائع الشعوب وتقسيماتها وأعراف الأمم وأعراقها والاتفاقات التي وقعتها بلدانهم والعلاقات التجارية بين الدول وتاريخها.

ورحم الله طه حسين ما زلت أطرب لمقالة كتبها في عشرينات القرن الماضي، ذكر فيها أنه زار مع وفد أممي كنيسة في بلجيكا وقام فيهم قس الكنيسة خطيبا ساعتين، ولم يتلفظ القس بحرف واحد في تينك الساعتين عن الدين المسيحي لكثرة ما تشبع من الثقافة والتاريخ، ويظهر أن مؤسسة الأزهر استجابت –ولو متأخرة- لنصيحة طه حسين في تلك المقالة العجيبة.

ومازلت كذلك أطرب –وإنه لأمر يخجلني أشد الخجل- عندما أسمع خطبة العلج القاتل نتنياهو في الكونغرس قبل أشهر فيؤسفني ذلك أشد الأسف لأني إلى اللحظة لا أعرف زعيما عربيا على قيد الحياة بمثل فصاحة هذا الصهيوني وانسيابيته في الحديث قاتله الله. فمتى سنعيش في حاضرنا كما ينبغي أن نعيش؟

عشتم طويلا.