تعديل الدساتير الإفريقية.. الجدل المتفجر دائما

أربعاء, 2015-10-14 13:59

 الكلفة الباهظة التي كان على الرئيس البوركيني السابق، بليز كمباوري، سدادها، العام الماضي، لدى محاولته تعديل المادة الدستورية التي تقف حاجزا أمام ترشّحه لولاية رئاسية ثالثة، لم تثبط على ما يبدو من عزيمة قادة أفارقة يتطلّعون حاليا إلى تعديل قوانينهم العليا لـ "أغراض سياسية" كما يرى مراقبون، أو لـ "انجاز التطوّر والإصلاح المؤسساتي الضروري"، وفقا للبعض الآخر. جدل دستوري يطفو إذن على السطح من جديد في القارة الإفريقية هذه الأيام، ليفجّر قراءات مختلفة ومتنوّعة. البرلمان الرواندي صادق، الاثنين الماضي، بالإجماع تقريبا، على مشروع للتعديل الدستوري، ضمن تقرير للجنة مراجعة الدستور، اقترح –من بين نقاط أخرى- مسألة رفع الحظر الذي تفرضه المادة 101 من الميثاق الأعلى للبلاد، والتي تحدّ الولايات الرئاسية باثنتين. هذه الموافقة التي لا تزال في انتظار تأييد مجلس الشيوخ "الشكلي"، تأتي في سياق داعم للاستفتاء غير الرسمي على تعديل الدستور الذي وقع  من خلاله مؤخرا  4 ملايين رواندي على عريضة تؤيد ولاية ثالثة للرئيس الحالي بول كاغامي في انتخابات الرئاسة المنتظرة في 2017. مسار يبدو خال من العقبات حتى الآن بالنسبة للأخير، غير أنه بغير ذات اليسر بالنسبة لنظيره الكونغولي، دينيس ساسو نغيسو، والذي يجد نفسه، من خلال السعي نحو تعديل دستور بلاده، مجبرا على رفع عقبتين: الولاية الثالثة والسنّ الأقصى للمرشّح. ففي 2016، يستكمل ساسو نغيسو ولايته الثانية والأخيرة التي يجيزها الدستور الكونغولي الحالي، غير أنه يجد نفسه مجبرا على فكّ عقبة السنّ القانونية للمرشّح والمحدّدة بـ 70 عاما، حيث أنه تجاوز بالفعل الـ 71 من عمره. مشاهد تلتقي في مواطن وتختلف في أخرى، غير أنّ نقطة الإختلاف الأبرز تكمن في الغالب في ردود الأفعال حيال مساعي القادة إلى تعديل الدساتير. ففي رواندا، لم يلق مشروع قانون كاغامي سوى رفض محتشم خال من التأثير على مجريات الأمور، غير أنّ الوضع كان مختلفا في الكونغو برازافيل، حيث ارتفعت أصوات المحتجّين، منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، مندّدة بأي مساعي تهدف إلى المساس بدستور البلاد. ودفع عهذا الغضب الشعبي بالرئيس إلى الدعوة للاحتكام إلى استفتاء شعبي، في الـ 25 من هذا الشهر، حول الموضوع. في افريقيا، يقول  أستاذ العلوم السياسية بجامعة "باريس 13"، الفرنسي لوسيان بامبو، في مقال له بعنوان: "ساسو نغيسو وكاغامي.. رؤساء مبدعون أم "مخرّبون" دستوريون؟"، "توجد طريقتان لتعديل الدستور (...)، فإمّا أن نعتبر، بعد 50 عاما من الاستقلال، أن البلدان الإفريقية عاجزة عن التفكير في تقدّم مؤسساتها وتطويرها وإصلاحها، من منطلق التفكير بأن الشعوب لا تزال غير ناضجة (...)، وإما أنّ التفكير، في ظلّ تبدّل السياقات الجيوسياسية (...)، السائد أنّ القادة الأفارقة، بمعية شعوبهم، بإمكانهم تقرير مصيرهم بأنفسهم". بامبو رأى، في مقاله الذي نشر، الاثنين الماضي، على موقع "أنترناشيونال بلاستينغنيوز"، أنه  "يتعيّن اعتبار ساسو وكاغامي مبتكرين أو مبدعين دستوريين ينبغي على إفريقيا أن تتعلّم منهما كيفية النظر إلى نفسها بشكل أفضل". غير أن وجهة النظر هذه المؤيدة لتعديل الدستور وتمديد فترة بقاء الرؤساء في الحكم، لا يتبناها فيليب رينتجانس، أستاذ القانون الدستوري بجامعة "أنتويرب" ببلجيكا، حيث يجزم من ناحيته بان التعديلات الدستورية (في إفريقيا) تجد جذورها في "الدوافع الشخصية أو الطائفية ، بما أن هؤلاء الرؤساء محاطون بأشخاص لديهم مصالح في مثل هذا النوع من التجديد والاستمرار في الحكم"، محذرا من أن  "إزالة العقبات (الدستورية) يمكن أن تخلق، في واقع الأمر، رؤساء مدى الحياة". رينتجانس، المتخصص في شؤون منطقة البحيرات العظمى، وأحد المشاركين، خلال سبعينيات القرن الماضي، بناء على طلب من الرئيس الرواندي حينها، جوفينال هابياريمانا، في إعداد الدستور الرواندي، لفت في تصريح للاناضول إلى أنّ "الحكم مدى الحياة لا يعتبر خيارا مناسبا لأسباب عديدة، أبرزها أنّ المعنيين يصبحون أكثر استبدادا وأكثر انفصالا عن واقع بلدانهم، والأمثلة على ذلك لا تمنح الكثير من الأمل، كما أنه، وفي صورة رفع العقبة هذا العام، فما الذي سيفعله هؤلاء الرؤساء في 2024 على سبيل المثال؟ إن لم يكن هناك سقف، فإنّ محاولات البقاء في الحكم ستكون كثيرة". وحول ما إذا كان يؤدي سيناريو تعديل الدستور الراهن في الكونغو ورواندا إلى سيناريو جديد على "الطريقة البوركينية"، والذي زلزل، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، نظام الرئيس السابق بليز كمباوري، على خلفية مشروع قانون انتخابي جديد أراد من خلاله فكّ العقبة الدستورية التي تقف حائلا أمام ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، يرى رينتجانس أنّ رواندا بمنأى عن سيناريو مماثل، فحزب حزب الجبهة الشعبية الرواندية الحاكم حاليا في غير حاجة إلى القمع، بما أن الناس يدركون مسبقا مصيرهم المنتظر في حال جازفوا بالاحتجاج"، بينما تظل احتمالات "المظاهرات العنيفة والقمع قائمة في الكونغو برازافيل". في المقابل، قدم العام الماضي رئيس بنين، بوني يايي، مثالا مغايرا بعد أن زرع لفترة الشكوك حيال إمكانية ترشحه لولاية ثالثة، حيث حسم أمره في النهاية وأعلن امتثاله للنص الدستوري وتراجعه عن تعديله. وجاء هذا التراجع إثر سقوط حكم نظيره البوركيني، وفي وقت بدأت فيه ملامح التململ تطفو إلى سطح الأحداث في شوارع العاصمة الاقتصادية كوتونو. لكن، رغم سحبه مشروع القانون المثير للجدل، والهادف إلى تمديد إقامته بالقصر الرئاسي، إلا أنّ المعارضة في بنبن تساورها من جديد هذه الأيام مخاوف "المناورة" التي قد يلجأ إليها يايي من خلال الحوار الوطني الجاري حاليا في البلاد لتجاوز العقبة الدستورية. تعديل النصوص الدستورية في إفريقيا لا يفجر الجدل والخلافات السياسية حول بقاء رئيس في الحكم فقط بل يمتد إلى أهداف سياسية أخرى.. ففي مصر على سبيل المثال، طفا الجدل حول تعديل الدستور إلى واجهة الأحداث، على خلفية ما قاله الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مؤخرا، من أنّ  "دستور مصر (أقر عام 2014) كتب بنية حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة"، ليفجّر بذلك جدلا واسعا بين مؤيّدين ورافضين لتعديل دستوري يسمح بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب البرلمان.

صفوان قريرة