موريتانيا: فرص “القوة الناعمة”/ محمد سعدن ولد الطالب

-A A +A
خميس, 2014-05-29 17:17

قبل أيام، اشتعل الشمال المالي من جديد، حينما حصلت مواجهات بين الطوارق والجيش المالي انتهت بسيطرة الطوارق على مدينة كيدال الاستراتجية في الشمال المالي كما أنهم أسروا وقتلوا عشرات الجنود الماليين.

وكاد الموقف يتطور إلى حرب شاملة تشعل تلك المنطقة المرشحة للانفجار في أي لحظة بفعل أعواد الكبريت المرمية في بقع الزيت المنتشرة هناك، حيث مشكلة الطوارق التاريخية، إضافة إلى وجود المجموعات المسلحة التي تتخذ من الصحراء الكبرى بين مالي والجزائر وموريتانيا مكمنا تسرح فيه وتمرح، وتضع الخطط وتجند المناصرين…

وفعلا، وضع الجميع أكفهم على صدورهم خوفا من حرب جديدة في منطقة لا تكاد تهدأ، إلا أن التدخل السريع والمناسب من رئييس الاتحاد الإفريقي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز استطاع إيقاف كرة اللهب المتدحرجة، واقتناص وقف ثمين لإطلاق نار، وهو نجاح دبلوماسي يحسب للرجل، ويفتح الباب للتساؤل، ماذا لو استخدمت موريتانيا “قوتها الناعمة”، واستغلت علاقاتاتها التاريخية في المنطقة لحلحلة أكثر من ملف وفي المقدمة قضية الطوارق التي تعتبر جرحا دائم النزيف، يمنع الشقيقة مالي من أن تطوي ملفات الحرب وتتفرغ للتنمية،  وأيضا قضية الصحراء التي ظلت على مدى عقود خاصرة رخوة، ومعوقا يمنع بناء اتحاد مغاربي متصالح مع نفسه وقادر على النهوض…

قد تبدو موازين القوة في ظاهرها “الصلب” وكأنها لاتمنح موريتانيا تلك القدرة على الاضطلاع بأدوار كهذه، في ظل وجود جيران أقوياء كالمغرب والجزائر، إلا أن التدقيق أكثر قد يبين لنا أن “قوة موريتانيا ربما تكمن في ضفعها نفسه”، بدون أن نغفل حقيقة أصبحت راسخة في العلاقات الدولية المعاصرة وهي أن القوة الناعمة أصبح تأثيرها يتجاوز أحيانا تأثير “القوة الصلبة”، وهو أمر  ربما يمنح موريتانيا هامشا كبيرا من التحرك نحو بلورة صيغ واقتراحات لحل المشكلين الأكثر إلحاحا في المنطقة، ألا وهما مشكلة الطوارق في مالي، وأيضا قضية الصحراء الغربية…

لعل الجميع يعرف أن ثمة علاقات تداخل عرقي وجغرافي وثقافي بين الموريتانيين والطوارق، تجعل من الموريتانيين وسيطا مقبولا، بل و”كفيلا مناسبا” للمساعدة في إيجاد تصور لوضعية الطوارق، وفق صيغة تضمن سلامة ووحدة أراضي جمهورية مالي، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية للشعب الطارقي، وحقه في ترجمة تلك الخصوصية وفق صيغة العيش في فضاء مستقل شيىء ما “استقلال ذاتي مثلا”،  مع تعويض الطوارق، عن عذابات الماضي والتجاوزات التي حصلت في حقهم، والاعتذار عنها….

أما بالنسبة للقضية الصحراء الغربية، فقد يكون المتبادر إلى الذهن أن الموضوع أعقد بكثير من أن يطرح بهذه الخفة أو السذاجة، وأن استمرارية هذا الصراع تأتي من كونه –في جوهره- ، أو على الأقل في بعده الأخطر، أصبح صراعا  على النفوذ بين عملاقي المنطقة المغرب والجزائر، مما يجعل من تصور قدرة موريتانيا على حلحلته أمرا مستبعدا، ولكن في الواقع فإن الأمر قد لايبدو بتلك الصعوبة المتوقعة، فالروابط الخاصة جدا بين الموريتانيين والصحراويين وعلاقات التاريخ والجغرافيا، والتداخل القبلي والثقافي “ثقافة البيظان”، كلها أمور تجعل من موريتانيا الوسيط الأكثر مقبولية، بل وتمنحنا كموريتانيين فرصة حقيقية لوضع تصور واضح يتم تسويقه إقليميا ودوليا، يتم من خلاله رسم حل واقعي يراعي الحقوق التاريخية للصحراويين، بدون إغفال الحقائق على الأرض ومصالح المملكة الغربية، وأيضا المصالح الجزائرية، وهو حل قد لا تكون لدي شخصيا التصورات الواضحة حوله، ولكنني واثق من أي تفكير جماعي بشأنه سييؤدي إلى نتائج مرضية….

إنها فرصة تاريخية لموريتانيا، كي تستغل قوتها الناعمة في صناعة السلام في المنطقة، وتترك بصمة خير في ذاكرة أبناء شمال إفريقيا والمغرب العربي، ولعلي لست بحاجة إلى التذكير أن الخطوة الأولى في طريق تحقيق  ذلك هي أن تتصالح موريتانيا داخليا، بمعنى أن يسعى الجميع سلطة ومعارضة، والسلطة هي المعني الأول بذلك،  لبلورة مشروع سياسي جامع يضمن مشاركة الطيف السياسي والاجتماعي الموريتاني بأجمعه.