المعارضة الموريتانية ..رواية من الخيال العلمي

اثنين, 2015-11-02 17:52
سيد أحمد ولد التباخ

من يحاول تحليل وقراءة المفاوضات الراهنة بين الأغلبية وما يسمى في الحالة السياسية الموريتانية بالمعارضة يعتقد للوهلة الأولى أنه يقرأ رواية من روايات الخيال العلمي للفرنسي "فيرن جول"، وسيجد المتابع لمحادثات جنيف أنه يقرأ أهم رواية خيالية على الإطلاق تسمى المعارضة الموريتانية.

هذه المعارضة التي تدعي من السبعينات تمثيلها للشعب الموريتاني وفشلت في كل استحقاق وطني ان تحصل على أي نسبة تعبر عن هذا التمثيل وعن هذا التفويض الذي تتحدث به نيابة عن الشعب الموريتاني، هذه المعارضة المتعارضة في بنيتها وفي طرحها وفي تصوراتها للازمة الوطنية التي تسوق تعمقها في المشهد السياسي قررت أخيرا التفاوض، وقررت أخيرا الدخول من باب الحوار، وعلى كل الموريتانيين الانتظار والاستبشار بالمقبل من الأيام، لا لشيء سوى ان المعارضة قررت التفاوض والتخلي عن كل خياراتها الأخرى والتي قد تؤثر على المسار السياسي للبلد ولشبه المنطقة.. فشكرا لمعارضتنا الوطنية وألف مبروك لما ستقطفه من ثمار الحوار والمفاوضات.

نحن هنا لا نعارض هذا "التفاوض" ـ وإن كان المنحى العام للمعالجة قد يوحي به ـ بل على العكس نريد الحوار ونريد النقاش ونريد التفاوض لأنه لا المعارضة ولا الأغلبية ولا كل "أهل موريتانيا" قادرون على هضم ما تفرزه التشنج والتوتر إذا لا يكون هناك حوار وتفاوض حول دقائق الشأن العام.

بيد أن عملية التفاوض أي تفاوض تفترض في شروطها الموضوعية طرفي خلاف كل منهما يمثل وجهة نظر ويعبر عن موقف نظري من حالة معينة هي محل الخلاف، ويفترض نقاط معينة يتخوف الطرفان من اللجوء لها كخيارات أخيرة، والأهم في حال التفاوض أن يكون كل طرف ممثلا لقوة على الأرض يعبر عنها ويمارس بها دوره التفاوضي ويضغط بها لتعزيز موقفه، وهنا يكون الخيال العلمي وتكون المفارقة لدى معارضتنا السياسية. ففي وجهة النظر القائمة لدى المعارضة ورفضها السياسي للنظام لا يتأسس على معطيات موضوعية او على نقاط سياسية أو اجتماعية. فبعد تجاوز اللغط الدستوري وابتلاع شرعية النظام رغم أنف الباء الطائرة والباء النازلة، ورغم ابتلاع موجة الحراك العربي وعجز المعارضة عن نسخها في المشهد الموريتاني نتيجة اندلاع هذا الحراك في بلدان ذات واقع مغاير، طورت المعارضة وبنت رفضها السياسي للنظام على ملفات تسييرية هزيلة لا تضرب بأي شكل من الأشكال في شرعية النظام، وكان هذا هو معيار الرفض ومعيار انسداد الأفق السياسي في البلد بالنسبة لمعارضتنا.

وبخصوص الخيارات الحاسمة والأخيرة والتي يتخوف كل طرف سياسي يفاوض من لجوء الطرف الآخر لها ويدخل في التفاوض تجنبا لها، فهنا مربط عجز معارضتنا والتي لا تملك أي خيار آخر غير المقاطعة وهذا حق لها أو بالأحرى للأشخاص القائمين على الاحزاب المعارضة، ان يقاطعوا او يشاركوا، وهذا مهم لدارسي ظاهرة العزوف السياسي وهو فعل سياسي قائم في العديد من البلدان العريقة ديمقراطيا ولا يعني أي ضرب في شرعية النظام او الفصيل السياسي الآخر.

لا تملك المعارضة القدرة على تعطيل العملية السياسية، وأظهرت الأيام عجزها حتى عن امتلاك القدرة على إعاقة أي عملية انتخابية، والجرد الكرنولوجي لتاريخ المقاطعات الوطنية للمعارضة بدأ من 96 حتى النيابيات الأخيرة لا يعزز موقفها الآن إن قررت المقاطعة. النقطة الأخرى وهي التي تفترض في اي طرف يفاوض ان يكون معبرا عن قوة على الأرض او معبرا عن خيار آخر وللأسف معارضتنا الوطنية بناء على أكثر من عامل لا تعبر عن أي قوة سياسية يعتد بها أو عن قاعدة جماهيرية تؤثر في سحبها من المشهد السياسي، فمن ناحية استطاع الخطاب السياسي للنظام وفي فترة وجيزة خلق هجرات من جنوب المعارضة إلى شمال النظام، ليس فقط في أنصارها ومؤيديها وكتلها الناخبة، وإنما أيضا في هرم قيادات هذه المعارضة وفي أجيالها الشبابية المعول عليها في اي عمل تنظيمي ميداني، ومن ناحية أخرى فإن إنجازات رأس هذا النظام الهائلة والمتلاحقة في شتى الميادين والمجالات استطاعت ان تحرك في المواطن البسيط تعلقا بحلم وطني مختلف من خلاله يستطيع الإنسان الفقير أن يحلم بدولة وبوطن وبمؤسسات تتجاوز عقد عجزنا التاريخي وتراكم فشل مشروعنا السياسي.

إن فقدان المعارضة للشروط الموضوعية للتفاوض يؤكد الخيالية العلمية في دخولها للتفاوض من الأساس، ويؤكد أصلا مستوى وحجم الخيالية العلمية في وجودها، فمن وجهة نظري ليست المشكلة أن يحاول نظام سياسي في الحكم فرض نفسه في الواقع خصوصا عندما يكون مدعوما بسلسلة طويلة من المكاسب والانجازات التي حققها ميدانيا والتي تلامس كلها صميم الآمال والتطلعات الشعبية، لكن أن تفرض معارضة سياسية حضورا لها وهي لا تملك أي مقوم نظري بعد تقادم خطابها السياسي وسقوط واستهلاك كل اطروحاتها النظرية أمام ماكينة النظام السياسية وأمام قدرة رئيسه على خلق خطاب سياسي شعبي وخلق قاعدة في وعي البسطاء، ولا تملك أي مقوم ميداني بعد تلاشي حضورها وسحب البساط من كل أطرها التقليدية ومراكز حضورها التاريخية في الجنوب والوسط واستقطاب النظام لكل الأطر الوطنية الفاعلة والنافذة والقادرة على التأثير، فهذا برأيي هو محض الخيال العلمي الذي قد يُعجز حتى كتاب السيناريو في عالم هوليوود.

إن آخر خطوة تمثلت في انسحاب احد أطراف المعارضة من المفاوضات ليس تعبيرا عن الرفض لنقاط الحوار بقدر ما هو إحساس ـ وإن كان متأخرا ـ باليأس وغياب اي أمل، والشعور لدى المفاوضين أن النظام يفاوض من مركز قوي ويفاوض فقط لكي لا يقدم أي مسوغ إعلامي لأي محاولة مقبلة لركوب موجة التشهير بالنظام والطعن في شرعية ممارساته السياسية واستعادة ركوب قصة الباء من جديد كفصل من فصور الخيال العلمي الذي تعبر عنه المعارضة الموريتانية في كل تجلياته وفي كل ادائها السياسي .