نَكْبَةُ "البَيَاتِ النُخْبَوِي" بقلم لمختار ولد داهي

أربعاء, 2015-12-16 15:29

يختلف الموريتانيون طرائق قِدَدًا حول أسباب تخلف البلد رغم توافر اليُسْرَيْنِ: ثراءُ وتنوع المصادر الطبيعية التي يجود بها باطن هذه الأرض الشاسعة وقلة عدد السكان!. فمنهم جماعة ترى أن التخلف عائد إلى الفساد الأكبر الذي طبع العشريات الماضية والذي أنهك الدولة وفتك بالقيم وكاد أن يهلك الشعب وصَيًرَ ثلة قليلة من رموز الإفساد تكاد تكون معروفة بأسمائها ووُسُومِهَا ملوكا وعَلًمَهُمْ الجلوس على الحرير!!.

ومنهم فئة قليلة ترجع التخلف إلى حداثة عمر الدولة الموريتانية مبرزة أن فترة العقود الخمسة التالية علي الاستقلال الوطني قصيرة جدا وغير كافية لتحقيق التراكم المطلوب "للإقلاع" التنموي الشامل مضيفة أنه من المعروف تواترا أن وُرُودَ التنمية محفوفة بالأشواك كما أن التنمية لا تُنَالُ بالاضطراب والعَجَلَةِ وإنما تنجز بالهَدَأَةِ والتُؤَدَةِ!.

 

فيما ترى طائفة عريضة من الشعب الموريتاني وشركائه التنمويين الناصحين والصادقين أن تخلف البلد لا يرجع إلى تراكم تَغَوُلِ الفساد وسوء التسيير – وإن كان سيلهما قد بلغ الزبى - و لا إلى حداثة عمر الدولة ونقص التراكم القاعدي المطلوب للإقلاع التنموي، ذلك أن دولا عديدة أحدث من دولتنا عمرا وأعتى فسادً وإفسادً قد تحررت من التخلف منها ما استطاعت حجز مكان ضمن مصاف الدول المتقدمة ومنها ما انتزعت بطاقة انتساب إلي نادي الدول الصاعدة!!.

 

وتجزم هذه الطائفة أن السبب المباشر لتخلف البلد هو نكبة "البيات النخبوي" HIBERNATION" التي أصابت "المَقْتَل التنموي" من الدولة والمجتمع منذ أربعة عقود على الأقل ذلك أن التنمية تكون بالمصادر البشرية الكفوءة والناصحة و"النخب الخالصة" أو لا تكون!!.

 

وتعني نكبة البيات النخبوي ظاهرة جُنُوحِ ولُجُوءِ "النُخْبَةِ الخَالِصَةِ" إلى الجمود والاستقالة التامة من الشأن العام كردة فعل على التمييع و"معاقبة الكفاءة" وتَدْلِيعِ وتَغْنِيجِ وإيثار الأنظمة الاستثنائية وشبه الاستثنائية "للنخب المغشوشة" ناقصة العقل والتربية والتعليم والدين!!.

 

ويمكن تقسيم البيات النخبوي المسؤول عن تخلف البلد إلى ثلاثة أقسام أولاها "البيات النخبوي الخارجي" ويقصد به لجوء بعض النخب الموريتانية عالية الكفاءة والقوة والأمانة إلى الهجرة عن البلد إلى الخارج مفضلة هَوَانَ الغُرْبَةِ على "غُرْبَةِ الوطن"!! ولسان حالها أن بلدا تُعْطَي القوسُ فيه لغير بَارِيهَا لا يمكن أن يَكِلَ إليه بَالِغٌ راشدٌ مستقبله ومستقبل "من يَلُونَهُ"!.

 

أما الصنف الثاني من البيات النخبوي فهو "البيات النخبوي الداخلي" ويرمز إلى التحول المفاجئ لبعض النخب الإدارية والفنية والجامعية المجمع على كفاءتها وحسن سيرتها ونظافة تجربتها من القطاع العام إلى القطاع الخاص.

 

وتُرَجِحُ تلك النخب بذلك التحول فُجَاءَةَ تغيير المسار المهني واضطراب أحوال القطاع الخاص على مواصلة العطاء والتضحية في مناخ "انقلاب القيم" و"الانْفِلاَتِ المِهَنِي" المتمثل في قابلية الإتباع والإخضاع والإذعان الإداري والمهني لصالح النخب المغشوشة الأقل علما والأخفض درجة والأدني تجربة و"الأَخَفُ خُلُقًا" والأضعف ظهيرا!!

 

والصنف الثالث هو "البَيَاتُ النُخْبَوِيُ المُحَاذَاتِيُ" وبمقتضاه تمارس بعض النخب مهاما إدارية وفنية وسياسية من مختلف الدرجات والمستويات مُحَاذَاةً لا اقْتِدَاءً بنية الخط التحريري التغييري العام فتؤدي مهامها تلك من دون اتخاذ أية مبادرة ولا إبداء رأي ولا إسداء نصح ولا إنكار منكر ولا تنبيه على خطر داهم نَاكِسَةً رؤوسها ومُكبة على وجوهها طمعا في الأمان من مكر و"إخبار" وبطش النخب المغشوشة.

 

وإذ أقاسم التأسيس والتحليل والرأي الطائفة القائلة بأن السبب الرئيس لتخلف بلدنا راجع إلى البيات النخبوي بأصنافه الثلاثة فإني أحسب أن التنمية العاجلة والعادلة لن تتحقق إلا "بيقظة نخبوية" عاجلة صادقة تخرج النخب الوطنية الخالصة من "بياتها الأربعيني" الطويل ذلكم أنه من المتفق عليه أن المصادر البشرية "العالمة" والقادرة والناصحة هي وقود وضمان التنمية.

 

وأسجل أن العديد من الإجراءات المتخذة خلال السنوات الأخيرة كالحرب على المفسدين والإفساديين ومحاولات إشراك وإقحام الشباب في الِشأن العام وتمهين بعض الأسلاك الوظيفية كالإداريين المدنيين وأعوانهم وتوقيف فوضي اكتتاب العمال غير الدائمين واحترام مبدإ المسابقة كمنفذ واحد ووحيد لولوج الوظيفة العمومية العليا كلها خطوات جد ضرورية لكنها غير كافية لاسترجاع التصالح المفقود بين "النخبة الخالصة" وإدارة الشأن العام!!!.