إن تغيير علم موريتانيا (الذي لم تشفع له خضرته) ونشيدها الوطنيين ورئيسها وخريطتها وسوى ما ذكر.. شأن موريتاني بحت، كما الشأن الأزوادي خاص بالإخوة المعنيين به؛ باستثناء من تخلف عن النفير، وركن إلى الدعة والحبور، واستطاب موائد القصور، واكتفى بلقب على وزن صرصور!
ثم إن فضيلة الإمام أحمد محمود (حفظه الله) رجل نظيف (وهذا مما يحسب عليه) غير ماهر في المتاجرة مهما كانت الوسيلة (المال، القلم، الضمير..) ولا في التملق، ولولا ذلك لكان منافسا مرهوب الجناب. ولا في المصارف (صحيها واقتصاديها) لكنه ماهر في التصريف وفي غيره من المعارف؛ لذا يعلم عن جدارة ووراثة تليدة كيف يعتلي المنابر، وكيف منعت المتاجر من الصرف، ولا يعثو مفسدا في الآي المحكم لو تلا - أو كتب- قول الله تعالى: {يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله} ويُجِل السنة الشريفة وحامليها، ويعرف الفصل من الوصل (عن من) ويفرق بين العامة و"العامية".. وله سلف مُشَرِّف في كل ذلك إن عدت الأسلاف. وولا غرو فللمنابر أهلها كما للمجاري كائناتها، وللهدى أهله كما لكل المجالات أهلوها.. {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم..}.
وإذا كنا في عصر طمح فيه كل مجازف إلى ما سبق دعبل إلى وصفه بالقول:
ما زلت تركب كل شيء قائم ** حتى اجترأت على ركوب المنبر
فسيبقى للمنابر العزاء في الأخيار أمثال إمامنا {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.
وقد يكون من الصواب أن يدعو الشيعة ربهم أن لا يكلهم إلى نصرة من تخلّى عن ولي نعمته عند ما حمي الوطيس، وتضخمت "أناه" فادعى الدراية بضمير الجمع، ولسان الحال يسأله على طريقة صاحبه: "من أنتم"؟
متى جئتمُ؟ إنا رأينا شخوصكم ** ضئالا فما إن بيننا من تَفاكُرِ
أأنتم أُولى جئتم مع النمل والدبى ** فطار وهذا شخصكم غير طائر؟!
حقا إن غياب "النقد" وتشديد الحراسة على مصادره شديد على مريديه! ولكن "السِّبَّه ما تُمَتَّن" كما يقول الناس هنا.
ومن أقوالهم: "ال ج إشوف ينشاف"! وصدق ابن عطاء الله في رضى الناس بعقولهم! ففي الدنيا من يسخر من أهل العاقل لأن الله أغناه عن سرهم الذي يضرب به المثل، ولا جديد في التطاول على أهل الفضل، لكن المآذن لن تصير بواليع، ولا العكس بالعكس! ومن جوامع الكلم «إذا لم تستحْيِ فاصنع ما شئت» كما هو مشاهد!
ومن المفارقات نقمة بعض الناس على الربيع العربي مع أنهم لم ينالوا منه إلا نقل الوصاية من حاكم لآخر، إلا إذا كانت في الأمر نقمة على ولي النعمة الجديد! وسرعة البعض إلى الاستشهاد بالسنة الشريفة حين يجره الهوى إليها، وضرب عرض الحائط بها وبعلومها ورجالاتها في سائر الأوقات {وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين}. كما أن من التناقض - غير اليتيم- القطع بخروج موضوع النقاش عن الأمور الشرعية، ثم الجزم بأن "هذه قضايا شرعية يرجع فيها أولا إلى أهل العلم الشرعي".. وفعلا فالأمر كذلك! وبصمت من لا يعلم يرتفع الخلاف.
على أنني - رفعا للبس- أحيط من يهمه الأمر أن منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يوجد في غير مسجده الشريف بالمدينة المنورة (وهذا مما علم من الدين بالضرورة).
فعلا لقد "أصبحت المعارف متاحة لمن أراد البحث عنها، ولم تعد الأنساب، والألقاب، والروابط الاجتماعية كافية لتمرير فتاوى وآراء بلا سند".
أما الموريتانيون اليوم وأمس وغدا فهم أدرى بشأنهم ولا يحق لغيرهم التطفل عليه، وله في غيره غنية، وإذا فعل فالصواب تركه وعزفه المنفرد.
سلام عليكم.