الفاعلون في صناعة السياسة العامة في موريتانيا

-A A +A
أحد, 2017-02-19 16:49
عبدالله ابّاي ـ طالب دراسات عليا

يعرف المعهد العالي للدراسات العمومية في فرنسا  ـ السياسة العمومية ـ على أنها : " مجموع القرارات والأعمال والتدخلات المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين والاجتماعيين لأجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي ما"، ومن خلال هذا التعريف سأحاول في هذا المقال دراسة الفاعلين في  صناعة السياسات العمومية  في موريتانيا .

 

إن مصطلح السياسة العامة  بشكل عام يشمل سلسلة طويلة من النشاطات المترابطة، والتي تعني أكثر من مجرد قرار واحد،ويشترك  في صناعة هذه العملية فاعلون رسميون بعضهم يحدده الدستور، وفاعلون غير رسميين يشكلون تأثيرا في صنع السياسة العامة من جهتهم، ويساهمون في توجيه وصناعة أي سياسة عامة.

 

الفاعلون الرسميون

أولا- السلطة التنفيذية : تعتبر السلطة التنفيذية من أهم الفاعلين في صناعة وتوجيه السياسة في موريتانيا ويختلف دور هذه السلطة من الرئيس إلى الحكومة.

 

- الرئيس : هو الموجه الأساسي للسياسة العامة للدولة، حيث يضع خطوطها العريضة من خلال خطاباته الرسمية والتوجيهات التي يسديها للوزير الأول وأعضاء حكومته سواء كانت هذه السياسة متعلقة باقتصاد الدولة من أجل بناء اقتصاد تنافسي يستفيد منه الجميع ، أو التشغيل للحد من انتشار البطالة ، أو كانت متعلقة بالتعليم لفتح مدارس أوتلك المتعلقة بالصحة أوالبنى التحتية. وقد تكون هذه السياسة خارجية لتحسين العلاقة مع دول الجوار ودخول المنظمات الإقليمية والدولية والتوقيع على الاتفاقيات المهمة بالنسبة للدولة .

 

- الحكومة : إلى جانب رئيس الدولة تمثل الحكومة أهم الفاعلين في صناعة السياسات العامة للدولة ويمثل الدور الأساسي للحكومة الوزير الأول حيث ينص الدستور الموريتاني  على أنه يعرض برنامج حكومته أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد بعد تعيينها ويقدم سنويا للجمعية الوطنية تقريرا حول نشاط الحكومة للسنة المنصرمة ويعرض الخطوط العامة لبرنامجه للسنة المقبلة. وفي موريتانيا قد يختلف الأمر قليلا عن باقي الدول إذ أخذ الدستور بثنائية المجلس التشريعي حيث نص في المادة 46 منه على أن البرلمان يتكون من غرفتين هما الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ (1).

 

  ويتم عرض السياسة العامة في البرلمان على الجمعية الوطنية حيث ينص الدستور الموريتاني في المادة    42  "يقدم الوزير الأول برنامجه أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد بعد تعيين الحكومة ويتعهد بمسؤولية الحكومة عن هذا البرنامج وفقا للشروط المبينة في المادتين 74 و 75"وكذلك ينص في المادة 73 على أنه : (يقدم الوزير الأول سنويا ، في دورة نوفمبر، تقريرا للجمعية الوطنية حول نشاط الحكومة للسنة المنصرمة ويعرض الخطوط العامة لبرنامج السنة القادمة وعادة مايتوزع البرنامج الذي يعرضه الوزير الأول إلى محاور ، فنجده مثلا في إعلان السياسة العامة للحكومة

 

ثانيا- البرلمان  : يلعب البرلمان الموريتاني  دورا مهما في صناعة السياسات العمومية إذ يعتبر الجهة المخولة قانونا بمناقشة السياسة العامة التي تضعها الحكومة ويصادق عليها ومن ثم يقوم بمتابعة تنفيذها عبر إجراءات تحددها القوانين المنظمة لهذا المجال ، ويتضح ذلك من خلال المادة 42 من الدستور الموريتاني؛ التي نصت على أن الوزير الأول يقدم برنامجه للجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد بعد تعيين حكومته ويتعهد بتطبيق هذا البرنامج.

 

 وكذلك ماورد في المادة 73 الآنفة الذكر المادتين  ( 42-73) يتبين  أن البرلمان الموريتاني خاصة الغرفة الأهم (الجمعية الوطنية ) يملك دورا مهما وأساسيا في صناعة السياسة العامة للدولة ، فهو يقوم بنقاش البرنامج الحكومي السنوي (السياسة العامة ) الذي يقدمه الوزير الأول ويقوم بطرح الأسئلة والاستفسارات حول برنامج السنة المنصرمة ، وتقديم الملاحظات على برنامج السنة القادمة ، ومن ثم يصادق عليه ويصبح ساري المفعول ، بعد ذلك يراقب تنفيذ الحكومة للسياسة العامة حسب كل قطاع ، ويقدم النواب الأسئلة الشفهية والكتابية للوزراء الذين اختل تطبيق جزء من السياسة العامة في قطاعاتهم.

 

الفاعلون غير الرسميين

أولا : الأحزاب السياسية ـ تلعب الأحزاب السياسية دورا مهما في الحياة االعامة الموريتانية وتمتلك تأثيرا في الرأي العام ويعتبر الشعب الموريتاني من أهم الشعوب العربية التي تتابع الشأن السياسي باهتمام كبير. كما تساهم الأحزاب في تكوين الإرادة السياسية وفق ما نص عليه الدستور الموريتاني في الفصل الحادي عشر:" تساهم الأحزاب والتجمعات السياسية في تكوين الإرادة السياسية والتعبير عنها "

 

ولقد أصبحت الأحزاب السياسية وسائط للمشاركة الشعبية وأصبح لها دور في التعبير عن إرادة الشعوب من خلال المشاركة في صنع السياسات العامة واتخاذ القرارات .

 

 كما أن تعبير الشعب عن إرادته بصفة عامة لم يعد ممكنا بصفة مباشرة، بل لابد من المرور عبر هياكل وتنظيمات تمكن من تحقيق المشاركة الشعبية، لهذا الغرض وجدت مثل هذه القنوات ، وهي بصفة أساسية الأحزاب السياسية كما هي معروفة في عصرنا فلها دور مهم في العملية السياسية في أي بلد من بلدان العالم ، فالأحزاب هي التي تعتبر حلقة وصل بين الأفراد والسلطة(2)

 

وتعتبر الأحزاب السياسية في موريتانيا إحدى الهيئات الفاعلة في المشاركة في رسم السياسة العامة ،حيث يعتبر دورها محوريا سواء كانت تلك الأحزاب في صف المعارضة أم موالية للنظام، لكن الأحزاب المعارضة تلعب الدور الأكبر لأنها تحاول توصيل مطالب وحاجيات المواطنين إلى صانعي السياسات العامة والضغط من أجل تلبية تلك المطالب.

 

 ويلعب النواب الممثلون للكتل السياسية داخل البرلمان دورا مهما في صناعة القرار السياسي وخاصة في الجوانب المتعلقة برسم ملامح السياسة العامة التي تهم المجتمع ، ويراقب أعضاء هذه الكتل تنفيذ السياسة العامة من خلال إيداع الأسئلة الموجهة للوزراء والاستجوابات ، ومراقبة السياسة العامة المتبعة من طرف السلطة التنفيذية وكيفية تحصيل الأموال وصرفها وإقرار الميزانية السنوية الموجهة لتنفيذ مختلف السياسات العمومية.

 

ثانيا- المجتمع المدني : يكفل الدستور الموريتاني حرية إنشاء جمعيات المجتمع المدني  ويشهد الشارع الموريتاني ازديادا في إنشاء هذه الجمعيات.وقد أسهم حضور مؤسسات المجتمع المدني في إحـداث التوازن المجتمعي الذي يشكل وجـود تلك المؤسسات وتعددها إثـراء وإغناء مجتمعيا له، من شأنه أن يعزز ثقافة أفـراده ووعيهم بالحقوق والواجبات، بما يحول دون قيام أي قوة في أي وقت، من ممارسة فعل تغييبه أو استلابه، أو تهميشه؛ فعوضا من ثقافة اللامبالاة أو الإذعـان، تعم ثقافة المشاركة عبر إدراك الواقع، ووعي شروطه ومتطلباته الموضوعية.(3) وتعمل هذه المنظمات على توعية المجتمع وخدمته ويعتبر دورها مكملا لدور الدولة، فإشراك المجتمع المدني في صنع السياسة العامة لن يساهم في تخفيف العبء الملقى على كاهل الدولة بإعداد هذه السياسات فقط، بل سيساهم في إنجاحها وتسهيل تقبلها من قبل المواطن الذي يعتبر المعني الأساسي بها. (44) واهتمت بعض النقابات العمالية بتكوين المجتمع المدني حول دوره ومشاركته في صنع السياسات العمومية فقد نظمت الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية CNTM يوم الجمعة 20 ـ 05 ـ 2016 ورشة تكوينية حول "دور منظمات المجتمع المدني ومشاركتها في السياسات العمومية"، واستفاد منه عدد من هيئات المجتمع المدني وتم بالتعاون مع البلديات الثلاث بولاية نواكشوط الشمالية.(5)

 

ومازال دور المجتمع المدني الموريتاني في صنع أو رسم السياسات العمومية ضعيفا بالمقارنة مع دور المجتمع المدني المغربي مثلا حيث ينص الدستور المغربي في الفصل 13 على : " تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور ، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين ، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها".(6) فهذه الهيئات لاتوجد مثيلاتها  في موريتانيا ولم ينص الدستور الموريتاني على استحداثها وهو ما يعيق تفعيل دور المجتمع المدني في صناعة السياسات العمومية .

 

ثالثا -الجماعات التقليدية ومجموعات الضغط : تمتلك الجماعات التقليدية المتمثلة أساسا في القبائل التأثير على أي نظام قائم فهي تمثل جماعات الضغط القوية والنافذة التي تساهم في صنع أي حدث دون أن تتبناه وتؤثر في القرار دون أن تعلن عن نفسها.(7) ورغم التجربة الديمقراطية التي تعيشها موريتانيا منذ ما يقارب عقدين من الزمن اعتبارا من الاستفتاء على دستور 1991 الذي أتاح التعددية الحزبية ووفر مستوى من الحريات، لا تزال التحالفات القبلية مؤثر قوي في وضع أي سياسة عامة من خلال ضغط رجال القبائل على راسمي السياسة العامة  من وزراء ومدراء عامين ، ومطالبتهم بتحقيق أهداف تخدم الحيز الجغرافي الذي توجد فيه القبيلة، وتتعدد نوعية هذه المطالب التي تتمثل أساسا في إنشاء مدارس واستحداث طرق معبدة وتوزيع الكهرباء والمياه . ويشتغل هؤلاء على إقناع أهم صناع السياسة العامة  بضرورة وأهمية إدراج هذه المطالب ضمن مشاريع ولوائح السياسات العامة، وإلى جانب هذه التكتلات الاجتماعية القبلية توجد جماعات ضغط أخرى تختلف تشكيلاتها وتتباين مطامحها ومطامعها غير أنها تتوحد لتحقيق  أهدافها ويمكن اعتبار تكتلات  التجار الكبار من أهم هذه الجماعات فهناك رجال أعمال يمارسون التأثير على صناع السياسات العامة من أجل تبني أوضع سياسة تخدمهم في المجال الاقتصادي أو التجاري وكذلك سن قوانين تخدم القطاع الخاص وتخفيف الضرائب على الشركات وتوجيه سياسات لفتح فرص للاستثمار .

 

 إن  ندرة  الدراسات المتخصصة في السياسيات العمومية في موريتانيا، وعدم اهتام الباحثين الموريتانيين بالكتابة في مواضيع علم السياسة وخاصة السياسات العمومية وتحليلها، وكذا عدم اهتمام الجامعات الموريتانية  والمراكز البحثية بموضوع السياسيات العامة ،  و حداثة علم تحليل السياسات العمومية  كلها  عوائق من بين أخرى  تجعل بلورة صورة تقريبية عامة عن  السياسيات العمومية  والفاعلين الحقيقين فيها من الصعوبة بما كان.

 

وقفة  أخيرة : المقال عبارة عن تلخيص لورقة بحثية كنت قد أعددتها في مجال الدراسة، حول الفاعلين في صناعة السياسة العامة في موريتانيا، ولم أطلع طيلة فترة إعدادي للورقة على دراسات أو أبحاث تمت بصلة للموضوع أو تنحوا منحا تأطيريا له، لذا  فقد وجدت صعوبة في الحديث عنه بمستوى من العلمية والدقة؛ فحين يحاول شخص البحث في مثل هذه المواضيع يعجز لندرة ما كتب حولها في موريتانيا ولا أبالغ إذا قلت بعدمه.

 

هوامش:

1ـ الدستور الموريتاني الصادر 1991 المراجع 2006 والمعدل 2012

2ـ غارو حسيبة - دور الأحزاب في رسم السياسة العامة - دراسة حالة الجزائر - بحث لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة مولود معمري- 2012 ص 15

3ـ إسماعيل بوقنور – دراسة حول المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في موريتانيا : براديم الانتقال ومقاربات التغيير السياسي منشور في مجلة المستقبل العربي العدد 76

4ـ جمال العزوزي – دور المجتمع المدني في صنع السياسات العمومية على ضوء مقتضيات دستور 2011 مقال منشور في موقع العلوم القانونية على الرابط : http://www.marocdroit.com /

5ـ موقع الكونفدرالية الموريتانية للشغيلة الموريتانية  على الرابط :  http://www.cntm-rim.org /

6ـ الفصل 13 من دستور 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليو 2012

7ـ ما هي جماعات الضغط؟ مقال منشور على موقع نون بوست على الرابط https://www.noonpost.net/content/5149 تاريخ التصفح 01/02/2017