منفذو هجوم برشلونة كانوا يرتادون الحانات ولا يصلُّون..

-A A +A
أحد, 2017-08-20 19:21

تمثل إسبانيا إغراءً خاصة بالنسبة للمتطرفين، إغراء له أسباب تاريخية عميقة، لا يخفف وطأتها جهود مدريد لإدماج المسلمين وقوة أجهزتها الأمنية.على مدار أكثر من عِقدٍ، بدا أنَّ إسبانيا مُحصَّنة من الهجمات الإرهابية التي ينفذها متطرفون إسلاميون والتي هزَّت بلداناً أوروبية أخرى.

فقد اشتُهرت قوات الأمن الإسبانية بأنَّها من أكثر القوات الأوروبية المعنيَّة بمكافحة الإرهاب صلابةً؛ إذ تخوض معركةً مستعرة تحت سطحٍ يُتوهَّم أنَّه هادئ في بلدٍ يجعله ساحله المُطل على البحر المتوسط، والواقع على الجهة المقابلة للمغرب مباشرةً، مدخلاً جذاباً إلى أوروبا بالنسبة للجهاديين، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ولكنَّ أسطورة الحصن الإسباني تحطَّمَت يوم الخميس 17 أغسطس/آب 2017، حين انحرفت إحدى الشاحنات في شارع لاس رامبلاس، وهو شارع مشاة شهير في مدينة برشلونة الإسبانية، وخلَّفت 13 قتيلاً ونحو 100 مصاب، إضافة إلى شخص آخر قد قُتِلَ في هجومٍ ثانٍ بمنتجعٍ قريب من شاطئ البحر، انتهى حين قتلت الشرطة 5 مُهاجمين مُشتبه فيهم.

ولكونها منطقة سياحية، فإن أغلب الضحايا والمصابين كانوا من السائحين الأجانب من عدة دول.

وكشفت المعلومات المتوافرة حتى الآن، عن أن الضحايا والمصابين من 34 دولة. وفيما يلي تفاصيل أكثر عن ضحايا الهجوم من الأجانب، وفقاً لـ"بي بي سي".

كيف فعلها هؤلاء المراهقون؟

ويبدو السؤال الذي يلاحق السلطات، كيف تمكَّنَت مجموعةٌ ضمت مراهقين من تنفيذ هجومٍ مُخطَّط ومُنسَّق جيداً في بلدٍ لطالما تجنَّب خطر هذا النوع من الهجمات.

وقال بروس هوفمان، وهو أستاذٌ بجامعة جورج تاون قدَّم مشوراتٍ للإدارة الأميركية عن الإرهاب: "بالنسبة للجهاديين، لا تزال إسبانيا من أبرز الدول المُستهدَفة".

ومنذ عام 2004، حين انفجرت سلسلةٌ من القنابل في قطار ركاب بالعاصمة الإسبانية مدريد، وهو ما أسفر عن مقتل 192 شخصاً، أحبطت إسبانيا قائمةً طويلة من مخططات المتطرفين، ولا سيما في المنطقة الساحلية المحيطة بمدينة برشلونة حيث وقعت هجمات يوم الخميس.

وكانت وزارة الداخلية الإسبانية قد ذكرت أنَّ عدد المُعتقلين من المتطرفين المشتبه فيهم منذ عام 2004 تجاوز 700 شخص. ومن بينهم باكستانيون خططوا لتنفيذ هجمات انتحارية بمترو أنفاق برشلونة في عام 2008، وخليةٌ إرهابية بمدينة مليلية الخاضعة لسيطرة إسبانيا في شمال إفريقيا، و9 رجال، معظمهم مغاربة، اعتُقِلوا في شهر أبريل/نيسان الماضي على خلفية علاقتهم بالهجمات التي وقعت بالعاصمة البلجيكية بروكسل في شهر مارس/آذار من عام 2016 .

كما أحبطت السلطات الإسبانية في العام الماضي (2016)، مؤامرةً محتملة كانت تستهدف قيادة شاحنة بين حشودٍ من الناس لدهسهم، واعترضت أيضاً شحنة بحرية مكوَّنة من 20 ألف قطعة زي عسكري في أثناء تهريبها إلى جهاديين بسوريا والعراق.

وقال ماثيو أولسن، وهو مديرٌ سابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب: "تحتل السلطات الإسبانية صدارة اللعبة بأوروبا. أرى أنَّهم ناجحون للغاية في تحديد الهجمات وإحباطها".

واستفاد الإسبان من خبراتهم التي تكوَّنت من جرَّاء عقودٍ في محاربة حركة إيتا الانفصالية بإقليم الباسك، وسنَّوا مجموعةً كبيرة من القوانين التي ساعدت على تعطيل خلايا متطرفة.

ولكنَّ مكافحة الإرهاب مسألةٌ تعتمد جزئياً على الحظ، ويبدو أنَّ حظ إسبانيا نفد يوم الخميس، حسب "نيويورك تايمز".

وكان لافتاً أن بعض الشباب المتورطين في الهجمات التي وقعت ببرشلونة ومنتجع كامبريلس، من المراهقين.

ويعتقد بعض المُحقِّقين إنَّ هؤلاء الشباب عاشوا حياةً مزدوجة وخططوا للهجمات على مدار عامٍ في منزلٍ ببلدة ألكانار الهادئة الواقعة على الساحل والتي تبعد 120 ميلاً (نحو 192 كيلومتراً) من برشلونة.

وأفادت وكالة "رويترز" بأن منفذي هجوم برشلونة -وهو الأعنف في إسبانيا منذ أكثر من 10 سنوات- كانوا يذهبون إلى المدرسة ولم يرتادوا المساجد في بلدتهم؛ بل كانوا يترددون على الحانات.

ووفقاً لتقرير نقله موقع "آر تي" الروسي عن الوكالة، فإن جيران الشباب المتشددين الذين تابعوا نشأتهم في بلدة "ريبوي" الجبلية الهادئة، قالوا إنه لم تبدُ عليهم أي علامات تدل على التطرف.

وقال علي ياسين رئيس الجمعية الإسلامية في ريبوي: "كانوا شباباً عاديين. لم ينتظموا في الصلاة كثيراً. لم نظن قط أن هذا يمكن أن يحدث! لو لاحظت أمراً غريباً لكنت أول من يتصل بالشرطة".

مساجد سلفية

وتعد كاتالونيا بؤرة للمتشددين، فقد فاق عدد الذين اعتُقلوا فيها كل المناطق الأخرى بإسبانيا.

فقد اجتذب الازدهار الاقتصادي في إقليم كاتالونيا، الذي يؤوي أكثر من ربع مسلمي إسبانيا الذين يبلغ عددهم الإجمالي نحو مليوني شخص، أعداداً كبيرة منهم من المهاجرين المسلمين من المغرب، والجزائر، وجنوب قارة آسيا. ولكنَّ الكثيرين منهم واجهوا صعوبةً في الاندماج مع المجتمع واستُقطِبوا إلى مجموعاتٍ من المساجد السلفية المتطرفة التي انتشرت فجأةً في بضع بلداتٍ صغيرة.

وفي برقيةٍ دبلوماسية يعود تاريخها إلى عام 2007، حذَّر مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية من أنَّ هذه المنطقة، في ظل ضمِّها عدداً كبيراً من المهاجرين المسلمين الساخطين، والذكور، والعُزَّاب، صارت "مغناطيساً لمُجنِّدي الإرهابيين".

وقال لورينزو فيدينو، مدير برنامج دراسات التطرُّف بجامعة جورج واشنطن: "ثمة تاريخٌ للتطرف هناك. فإذا نظرتم إلى خرائط موقع جوجل، ستجدون أنَّ أقرب بلدةٍ من كامبريلس هي سالو، ويمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام حرفياً.

وسالو، هي البلدة التي عقد فيها محمد عطا اجتماعه الأخير في أوروبا قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، في إشارة إلى قائد الطائرة الأولى التي اصطدمت بمركز التجارة العالمي، والذي يُعتقَد أنَّه التقى شخصيةً تابعة لتنظيم القاعدة في بلدة سالو قبل هجمات عام 2001.

لماذا تحولت إسبانيا لهدف ذي طبيعة خاصة للمتطرفين؟

إسبانيا لا تبدو بؤرةً أساسيةً للمسلحين الإسلاميين، ولايفترض أن سياستها تستفز تعصبهم الديني، خاصة أنَّها لعبت دوراً هامشياً في حربي الولايات المتحدة بالعراق وأفغانستان.

كما أنه حتى في ظل اعتراضهم خلايا إرهابية بقوة، يتفاخر قادة إسبانيا بجهودهم الرامية إلى دمج المسلمين في المجتمع الإسباني الأساسي.

ورغم حدوث انهيارٍ اقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة منذ الأزمة المالية التي وقعت في عام 2008، لم تشهد إسبانيا ظهور حركاتٍ سياسية متشددة ومعادية للمسلمين كما حدث في دولٍ أخرى بقارة أوروبا.

ويُعتَقَد أنَّ نحو 200 من سُكان إسبانيا فقط سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى القتال الجاري هناك، ويُمثِّل ذلك جزءاً صغيراً من المئات الذين سافروا إلى هناك من دولٍ مثل بريطانيا وفرنسا.

ومع ذلك، لا تستطيع إسبانيا الإفلات من جاذبيتها الرمزية بالنسبة للإسلاميين؛ نظراً إلى تاريخها؛ إذ شهدت الفترة الواقعة بين القرنين الثامن والخامس عشر خضوع جزءٍ كبير من شبه الجزيرة الإيبيرية لحكم خلفاء مسلمين، وكثيراً ما تتحدث مواقع إلكترونية متطرفة بلهجةٍ حالمة عن العودة إلى عهد الأندلس، كما كان يُطلق على إسبانيا في العصور الوسطى.

المغرب

رغم الجهود التي تبذلها لإدماج المسلمين في المجتمع، عانت إسبانيا وجود تياراتٍ متطرفة داخل مجتمعاتها المغربية التي تمثل نسبة كبيرة من مسلمي البلاد.

وكشفت السلطات الإسبانية أنَّ جميع المشتبه فيهم تقريباً في هجمات الخميس، والبالغ عددهم 12، إما مغاربة وإما من أصلٍ مغربي.

وفي حادثة لافتة وقعت في شهر أغسطس/آب من عام 2015، سيطر ركاب قطارٍ فائق السرعة يسير بين العاصمة الهولندية أمستردام وباريس على أيوب الخزاني، وهو رجلٌ مغربي المولد كان يعيش في جنوب إسبانيا، بعدما أطلق النار من بندقية كلاشينكوف. وقيل إنَّ الخزاني اعتنق الفكر المتطرف في أحد مساجد بلدة الجزيرة الخضراء بإسبانيا.

وقالت وزارة الداخلية المغربية إنَّ عدد المغاربة المنضمين إلى تنظيم داعش في سوريا وليبيا قد تجاوز 1600 مغربي، ويعتقد خبراءٌ أمنيون أنَّ هناك مئات المتعاطفين مع تنظيم داعش داخل المغرب.

واستعانت إسبانيا بالمغرب لتدريب أئمة مساجدها، وفقاً لموقع "فبراير المغربي".

وقال إيساندر العمراني، وهو محللٌ في منظمة مجموعة الأزمات الدولية، التي نشرت مؤخراً دراسةً عن أنشطة تنظيم داعش في شمال إفريقيا: "إنَّ مكافحة الإرهاب في إسبانيا تعتمد اعتماداً كبيراً على التعاون مع قوات الأمن المغربية، التي نجحت في اختراق مجتمعات المهاجرين بأنحاء أوروبا بالاستعانة بشبكةٍ قوية من المُخبرين، رغم وجود مخاوف بين جماعات حقوق الإنسان حيال أساليبهم".

وقال سيث جونز، وهو متخصصٌ في مكافحة الإرهاب بمؤسسة راند البحثية الأميركية، إنَّ أجهزة الاستخبارات الإسبانية، كالعديد من نظيراتها بأوروبا، غارقةٌ في حجم المؤامرات الإرهابية المُحتَمَلة التى تحاول مراقبتها.

وأضاف جونز: "إنَّهم غارقون تماماً وسط مستنقعٍ من الإشارات. ومن المستحيل أن يتمكَّنوا من تغطية جميع القضايا المفتوحة حالياً".