زواج المسلمة بالمخالف في الدين (رؤية شرعية بعين العصر )

-A A +A
أحد, 2017-10-29 22:06
بقلم / أم كلثوم أحمد اسحاق باب

 تثير قضية زواج المسلمة مع المخالف لها فى المعتقد جدلا واسعا بين رجال الدين المعاصرين بعد قيام الدولة المدنية التى تقوم على المواطنة والمساواة بين الأفراد فى الحقوق والواجبات  دون تمايز فى  الدين أو العرق   حسب المحددات التشريعية  لطبيعة المرجعية التى ترسمها الدساتير  الخاصة بالدول الإسلامية.

وإذا كانت هذه الدساتير تنص على أن الشريعة الإسلامية  هى المصدر فى التشريع  و القضاء مع تفاوت فى ذلك النص  بين عبارة الوحيد والأوحد وتخصيص تلك المرجعية فى بعض الدول الإسلامية بمذهب معين كالمذهب المالكي فى دول المغرب العربي .

فإن جدلية الزواج المختلط ظلت قائمة  تتعزز مع طغيان التيارات الحداثية  والقراءات التجديدية لنصوص الوحي  المطالبة بمراجعة المنظومة الفقهية القديمة على ضوء مقاصد الشريعة ومعطيات الواقع الذى لم يعد الفرد فيه يستطيع العيش منعزلا عن ما يدور حوله دون تأثير وتأثر وتتم إعادة صياغة الذهنية فيه  بقيم ومثل شمولية تناسب تعايش مكونات الإنسانية فى فضاء واحد تقلصت المسافات الزمانية والمكانية بين أجزائه بفعل تطور وسائل التواصل  ومبتكرات العقل البشري فى مجال التكنلوجيا وتقنياتها .

ولا شك أن ذهنية المسلم اليوم بجنسيه يصعب التحكم فى روافدها وموجهاتها الفكرية  فهي وإن تمسكت بمحددات الهوية الدينية  والثقافية للبيئة التى نشأت فيها أو نشأ فيها رافدها الأصلي اعتبارا لحال مسلمى الغرب الذين ولدوا فى بيئات غير مسلمة ولا ارتباط لهم بالإسلام إلا بالأصول العرقية. 

فإن ما تعيشه من انفتاح فى الحريات الشخصية يجعلها عصية على قبول الرأي الذى يدعوها لأن  تتقيد فى اختيار شريك الحياة بمعيار الدين والعرق. 

وقامت دعوات الإصلاح الديني على تنقية  التشريع الخاص بالمرأة من السلوكيات والعادات التى  إلتبست به  مثل الدعوة لتعليمها وعملها وغير ذلك من ركائز الفكر التجديدي عند مدرسة المنار وقاسم أمين وطاهر حداد .فإن زواج المرأة المسلمة من غير المسلم ظل عندهم خطا أحمر  لا يمكن التساهل فيه .

معتمدين فى ذلك على إجماع فقهاء المسلمين الرافض له  والمفرق بين المرأة والرجل فى ذلك . 

حيث أباحت نصوص القرآن للرجل المسلم الزواج من الكتابية   وسكتت عن المرأة فاعتبر فقهاء الإسلام ذلك السكوت تحريما وعللوا التحريم بضعف المرأة وعدم قدرتها على الدفاع عن قناعتها وقناعة أبنائها أمام زوجها وينسب لبعض الفقهاء تفسيرهم للحكمة من منع زواج المسلمة من الكتابي أن الإسلام أباحه للرجل لأنه يؤمن بنبيها الذي تنتسب إلي دينه والكتابي ينكر نبوة الرسول صل الله عليه وسلم فلا يمكن إهداء بنات المسلمين له.

غير أن المسألة إن نظرنا لها اليوم بمنظار الواقع وراجعنا  ما روي عن الرسول صل الله عليه وسلم وصحابته فى المسألة  وجدنا رأيا آخر يمكن اعتماده  لرفع الحرج عن المسلمة اليوم فى اختيار شريكها ، من هذه المعطيات أن الإجماع الذى نقله الفقهاء قديما لم يستند لنص فى كتاب الله أو سنة نبيه صلي الله عليه وسلم وإنما هو تقديرات تستمد من ضعف المرأة أمام زوجها وعدم قدرتها على مخالفته وهذا يخالف ما روي عن الصحابيات اللاتى آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم  وبقين فى عصمة أزواجهن ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أمره بفراق أزواجهن والهجرة عنهم مثل ابنته زينب الشريفة التى بقيت تحت ابن الربيع حتى هاجرت إليه صلى عليه وسلم  فلما حسن إسلام زوجها ردها إليه بعقدها الأول .

وكذلك نقل عن عمر ابن الخطاب أنه خير امرأة من أهل الحيرة بالبقاء مع زوجها أو اختيار الطلاق. 

ثم إن صلابة فكر المرأة اليوم وقيام الحياة الزوجية بينهما على احترام القناعات يبعد فرضية التأثر به دون التأثير عليه  وهو ما ذهب إليه المفكر الراحل حسن الترابي حين سئل عن امريكية  اختارت الإسلام بقناعة وأرادت البقاء  فى حياتها الزوجية فأفتاها بعض المجامع الإفتائية بأن إسلامها لا يكتمل حتى  تبتعد عن الزوج فأفتى هو بأن هذه الفتوى تخالف تعاليم الإسلام السمحة و بأن لها من القوة والقدرة على التأثير لأن تجلب محيطها الأسري للإسلام .

وبعد فمن الإنصاف أن تتسع الساحة التشريعية فى عالمنا الإسلامي لكل الآراء دون مصادرة فهي لا تعدم دليلا.

بقلم  أم كلثوم أحمد اسحاق باب