هل "هي" خطيئة متجسمة؟!/ محمد عبد الله ولد إبابه

-A A +A
سبت, 2014-09-06 14:03

"باسم الحرية  السلاح للشعب"، كانت تلك هي العبارة التي اختارتها غسالة الثياب الفرنسية، ماري شارل بانتييه، وهي تشق عجاج المتظاهرين، لفتح محلات بيع الأسلحة، قسرًا، خلال الثورة الفرنسية 1789، لتخط بذلك اسمها بين الثلاثة عشر شخصا الأبرز ضمن مهندسي هذه الثورة التي أطاحت بالملكية في فرنسا، وكان لها الأثر الفكري والثقافي على العالم، من خلال الإعلان المصاحب لها، وأحدثت تحولات جذرية في إحداثيات زاوية الرؤية بين الحاكم والمحكوم.

 

يروي لنا التاريخ العربي الإسلامي كيف دفعت الخنساء أبناءها الأربعة للاستشهاد في القادسية، وهي التي فقدت أخويها معاوية وصخر، فبكت أحدهما شعرا، وبكت الثاني صمتا، ودما أحمر قانيـًّا.

 

ومثلت السيدة "اخناثه"، البركنية، واحدة من أهم النساء القائدات، في موريتانيا القديمة، فكانت سيدة الحي، فهي حاضرة في كل المجالات، بما في ذلك الحضور لدى ساحة السقي، حيث يزدحم الجميع، في مشهد غير مألوف للمرأة، ولكن سيدة الحي (اخناثه) مرغمة، بحكم الواقع، على الحضور لفض المنازعات وفرض هيبتها الكامنة في النفوس بفصل مسحة من جمال وعزة حباها الله بهما، ذلك المشهد الذي صوره يكَـوَ الفاضلي، حين يقول:

 

فما درةٌ حمراءُ تُجْمَعُ في رِقِّ ... ولا الذهبُ الابريزُ ينشـَّر من حِقَّ

 

بأحْسَنَ من إخْناَثَ بالأمس منظرًا.... على شطـَّ ذاتِ اليـَمَّ مُغبرةً تسْقي

 

ولدرجة ما بسطت هذه السيدة حضورها وشخصيتها الفذة، فإن معالم بعينها، لا تزال تحملُ اسم اخناثه، مثل: "زِيرَاتْ اخناثَـَه" أو "اخناثات"، ولا يزال الشعر الشعبي يُخلَّدُ أسماء تلك الأماكن التي حملت اسمَ هذه القائدة العظيمة، فنجد امحمد ولد احمد يوره يقول:

 

اغلَ ذا لــْحــَاكمْ ذَا ارْوَارْ..... ......ذكُوراً واناثَ

 

بين اخناثَ مذكُورْ وارْ....وَيكِنْ واكَـْرَبْ لخنَاثَ

 

في وسطِ موريتانيا كانت الايقونة "منت لِحْجُورِي" واحدة من أبرز الموريتانيات اللائي ناضلـْنَ ضد المستعمرِ، غير أن العقلية الأبوية الموريتانية، حاولت وَأْدَ ميزَة هذه الإيقونة فحولت اسمها من المدحِ إلى القدْحِ، فاليوم كلما حاولت المرأة السطوة على المحميات الطبيعية للرجُل، سواء كانت تلك المحميات سياسية أو ثقافية أو اقتصادية وصفت بأنها: "منت لحجوري"، ما يعني اتهامها بأنها أصبحت رجلا، أو تتصرفُ تصرف الرجل، كما هو حال منت لحجوري، التي قاومت المستعمر، وذنبها أن لم تترك الرجال يحمونها ما جعلها رجلاً(في المخيال الشعبي للأمر دلالات قدحية فجة).

 

هذا بالذات ما يمنع الكثير من النساء الموريتانيات، وبالذات الفتيات، اليوم، أن يدخلنَ في أي نقاش ثقافي خوفا من أن يوصمن بما وصمت به بنت لحجوري.

 

مثل هذه الدعاية المغرضة تصطدم بموروث ثقافي ضارب في القدم لدى الموريتانيين، فالمرأة عـُبدَت على هذه الأرض، ممثلة في تمثال المعبودة القرطاجية "تانيت"، التي لا تزال بعض النساء الموريتانيات يحملن اليوم اسمها، ومؤخرا أصبحت موريتانيا تمتلك ميناء بهذا الاسم ميناء تانيت (الآلهة القرطاجية).

 

هذا التأثر له سياقاته التاريخية من خلال التأثر بالقيم الثقافية، السائدة في "موريتانيا الرومانية "أو نوميديا (الجزائر) منذ القرن الاول الميلادي.

 

وفي القرن الرابع ميلادي، فرضت العالمة الرياضية هيباتيا المجتمع الروماني على الانصات لدروس تقدمها في الرياضيات، كانت تعتبر إذ ذاك كفرا بواحا، باعتبار أن العلم ضد الدين. صحيح انها انتهى بها المطاف مقتولة على أيدي متعصبي الكنيسة، لكنها مهدت لوضع أول خطوة في تحرر المرأة القادم من الشمال، وهو ما سيكون له الاثر بدون شك على المجتمع الامازيغي القديم في موريتانيا، إذا تبنينا احدى أطروحتين ترى أن الأمازيغ قدموا من الشمال الاروبي.

 

هذه المعطيات غابت، أو غـُيَّبت، عن الرحالة المغربي، بن بطوطة حين زار ولاته (إولاتن)، في القرن 14 ميلادي، وانتقد بشدة ما اعتبره منسوبا زائدا في تحرر المرأة، وهو الذي تعود على ظاهرة الحريم، كما غابت عن الكاتبة اليسارية المصرية طه هويدا حين زارت موريتانيا 2006، فكتبت : إن المرأة الموريتانية ليس في عينيها انكسار. نعم ! ليس في عينيها انكسار لأن اللقاح الحضاري القائم هنا ليس هو ذاته القائم هناك، في المشرق، وبالتالي ليست له نفس النتائج المعروفة هناك والتي تصورها الشاعرة العراقية نازك الملايكة في قصيدتها "غسلا للعار"، أبدع توصيف، حين تلج إلى الأشكال الجيدة للوأد التي لا تزال قائمة في المشرق العربي، فتقول في قصيدة غسلا للعار:

 

"أماه !" وحشرجة ودموع وسواد

 

وانبجس الدم واختلج الجسم المطعون

 

والشعر المتموج عشش فيه الطين

 

"أماه!" ولم يسمعها الا الجلاد

 

وغدا سيجيء الفجر وتصحو الأوراد

 

والعشرون تنادي، والأمل المفتون

 

فتجيب المرجة والأزهار

 

رحلت عنا... غسلا للعار   ويعود الجلاد الوحشي ويلقى الناس

 

"العار" ويمسح مديته " مزقنا العار"

 

"ورجعنا فضلاء، بيض السمعة أحرار"

 

مهما يكن، فإن المرأة الموريتانية، الكائن البشري الخلاق، الذي يراد له أن يكون "خطيئة متجسمة"، يجبُ أن يدركَـَ حجم التحدَّي، وعمق المسؤولية، وحتمية المشاركة في التغيير .

 

إن أي تغيير في موريتانيا لا يدار من قبل جهاز التحكم الاسري: المرأة، التي تربطها علاقات مختلفة بمختلف مرتادي البيت، لن يكتب له النجاح.

 

قد تكون الحاجة في موريتانيا إلى امرأة ثورية أكثر من أي شيء آخر، فالنصدح اولا : الشعب يريد ...امرأة، قبل أن نصدح ثانيا: الشعب يريد... إسقاط النظام العسكري .