قصة أقرب إلى الخيال ...!

-A A +A
سبت, 2018-03-10 23:58
إسلمو أحمد سالم

كثيرا ما نسمع في القصص عن العجائز و الأكواخ ، و آلام العوز و ضيق ذات اليد و انعدام الحيلة ، و نسمع عن المحسنين و دور المسنين ، و عن التكافلة و التعاون ، و الكرم و البخل و الشح ، و إكرام الجار و أذيته و عدم الاكتراث بحياته و ما يقاسيه .

القصة التي سأنشر بين يديكم حقيقة ، و لا زالت واقعا يصرخ في وجه حياتنا البائسة العديمة الرحمة ، و تبرهن عن خلو قلوبنا من العطف ، و ضياعنا في دهاليز المادية ، متناسين الدين و النخوة و القيم و الأخلاق .

إنها قصة عجوز في المائة ، لا ولد لها و لا بنت ، و لا قربب و لا عصب ،  تسكن في وسط ثاني مدينة من الوطن ، عمياء يتساوى لديها الليل و النهار ، مقعدة لا تستطيع تحريك أعضائها ، نحيلة بلي جسمها بمقاساة الجوع و العطش و النسيان ، و فقدت جل سمعها ، مرمية في كوخ مفتوح من جميع الأطراف في كل الفصول، و ليس لها غير دعوة في جوف الليل ، أو جارة تجلب لها الماء الذي يعبث به الصبيان، و تبقى المسكينة وحيدة مع مرضها و عجزها و عوعزها. جئنا إلى الخباء البالي بعد صلاة المغرب ، فوجدناها في خلوتها ، و بأصوات مرتفعة استطعنا أن نفهمها أننا بشر ، و عندما سألتها عن حالها قالت : و ما ظنكم بعجوز عمياء مقعدة ، ترتجف يداها من الوهن ، و لا قريب لها و لا معتني .

 انهمرت دموعي و أجهشت بالبكاء ، لقد اختصر المشهد ضياع المجتمع و ذوبان القيم و الأخلاق .لن تتمكن المسكينة من التصويت لمنتخب ، و لا إنشاء وحدة قاعدية للحزب الحاكم ، و لا من التزلف لمسؤول لذلك فلا مكترث لها و لا سائل عن حالها.أعطيناها بعض البسكويت فطفقت تلتهمها بسرعة في مشهد يبرهن على أقصى درجات السغب ، و انفتحت أساريرها ، تحدث عن ماضيها و مجالسنا للعلماء و كيف كانت قادرة على القيام بشؤونها.سألناها : هل يأتيك أحدهم بالعشاء أو الغداء ، فابتسمت و قالت و من يهتم لي .تبقى المسكينة في عزلتها الأشهر بعد الأشهر ، و لم تعرف طعم اللحم و لا نكهة الشاي .قضينا وقتا معها ، فانبسطت أساريرها للحديث ، و امضت دقائق في راحة بال .

لست أصدق أن مدينة "كيفة" بما تحمله من ثقل حضاري و اجتماعي ، و هذا الكم الهائل من العلماء و الرجال العظام ، و الوجهاء و الأطر ، و المثقفين و المجتمع المدني ، و الصحافة و المنظمات الخيرية ، يمكن أن تحتضن مثل هذه الحالة الإنسانية الحرجة ، و كيف يمكن أن يلفها كل هذا النسيان.

 كتبتها صرخة في جدار بالصمت الذي يحيط بهذه القضية ، و اعلم ان القلوب الرقيقة لا زالت موجودة ، لكن الإرادة المسلوبة لا تصنع الأحداث ، فأفيقوا لقد طفح الكيل و بلغ السيل الزبى.

إسلمو أحمد سالم