هكذا نشأت المعارضة والموالاة مع بداية وجود البشرية على الأرض (تحليل)

-A A +A
جمعة, 2019-10-25 07:44

يسعى العديد من قادة الدول والزعماء السياسيين والتقليديين لخلق إجماع تام حول سياساتهم ونهجهم في قيادة وتسيير المجموعات البشرية التي يقودونها؛ ما يحولهم بشكل تلقائي لمستبدين و غير مرغوب فيهم من الجميع.

وتتركز هذه الظاهرة، أساسا، في القارة الإفريقية وبلدان العالم العربي ودول من آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث بات أي حديث عن التعددية وحرية الرآي والاختيار كفيلا بهلاك صاحبه او تعرضه لأبشع أنواع القمع والتنكيل على الأقل.

غير أن مثل هذه المحاولات وتلك المساعي ذات البعد الاستبدادي الدكتاتوري تصطدم بحقيقة دامغة ترسخت عبر حقب تاريخ البشرية في نماذج خالدة، وما تزال تتجدد وتتطور باستمرار وإن بأنماط مختلفة.

ظهر أول "موقف" معارض على وجه البسيطة عندما عصى أبليس رب العالمين بامتناعه عن السجود لآدم عليه السلام ليعاقبه الله بأن أنزل عليه لعنته إلى يوم الدين وجعله من المنطرين الموعودين بعذاب جهنم يوم القيامة.

وتعرض جميع أنبياء الله ورسله لمواقف مناوئة ومعادية لهم بدء بنوح عليه السلام، وانتهاء بخاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة وازكى التسليم، حيث ناصبه قومه العداء باستثناء ثلة قليلة جدا من المستضعفين ومن كانوا على صلة به قبل الرسالة.

واليوم، تحولت الموالاة والمعارضة إلى ركيزتين أساسيتين لأي نظام ديمقراطي تعددي ينبني على تحكيم إرادة الشعوب وضمان حقها في اختيار من توليه إدارة وتسيير شأنها العام.

ولم تكن موريتانيا لتشكل نشازا بين دول العالم في هذا المضمار؛ بل ظهرت فيها المعارضة والموالاة مع أول اقتراع مباشر في ظل الإدارة الاستعمارية من خلال انتخابات ممثليها في البرلمان الفرنسي أواسط أربعينيات القرن الماضي.

وقد عارضت غالبية الناخبين في المستعمرة الفرنسية يومها مرشح الإدارة الاستعمارية ومنحت الأغلبية للزعيم الوطني التاريخي أحمدو ولد حرمة ولد ببانة الذي انتخب نائبا في الجمعية الوطنية عن دائرة ما وراء البحار.

وفي عهد نظام الحزب الواحد الذي أرساه الرئيس المؤسس الراحل المختار ولد داداه تغمده الله بواسع رحمته ، كانت المواجهة والاستقطاب السياسي على أشدهما بين قادة ورموز حزب الشعب (الحاكم) وبين تيارات وحركات سياسية ونقابية تعمل في السر من ابرزها حركة الكادحين؛ وهي الوضعية التي استمرت وتفاقمت في ظل الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على حكم البلد بين العام 1978 والعام 1991، تاريخ المصادقة على دستور 20 يوليو التعددي الذي أتاح تشكيل أحزاب سياسية غير محدودة العدد وإرساء حرية الصحافة.

بنجاح الرئيس معاوية ولد الطائع في رئاسيات يناير 1992 وتمكن حزبه (الحزب الجمهوري) من الهيمنة على كامل مقاعد البرلمان بغرفتيه (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) تمايزت الموالاة والمعارضة في معركة سياسية شرسة كان كل واحد من الطرفين يكسب بعض جولاتها وينهزم في أخرى؛ وكان الرئيس ينتهج سياسة تقوم على تقريب أنصاره ومنح الامتيازات لقادة أغلبيته وناشطيها، مقابل استبعاد مناوئيه والتضييق عليهم.

وقد اعتمد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز نفس الأسلوب في التعاطي مع موالاته ومعارضيه الذين امتنع أغلبهم، حتى عن القبول بالحوار معه، ونظموا العديد من الاحتجاجات الشعبية عبر النزول مع جماهيرهم للشارع.

وما تزال الساحة السياسة الوطنية بعد خروج ولد عبد العزيز من السلطة طبقا لقواعد التناوب الديمقراطي المحددة دستوريا؛ تفرز نفس ثنائية الموالاة (الأغلبية والمعارضة) وإن بتغييرات محدودة هنا وهناك أفضى لها تغير بعض المواقع ومراجعة بعض المواقف السياسية مع الانتخابات الرئاسية الأخيرة.