انفتاحنا الإعلامي بين الصدمة والترويع

-A A +A
سبت, 2015-05-23 08:28
بقلم سيدي محمد ولد البكاي

قرأت المقال القيم للسيد المختار ولد داهي، السفير السابق، وخبير تحليل و تقييم السياسات العمومية، وهو مقال جدير بالقراءة حقا مثلما هو جدير بالتعليق. وبعيدا عن مغزاه السياسي، لابد أن نقترب من مضمونه الإعلامي، وهو مضمون مفتوح ومتاح للجميع الخوض فيه هذه الأيام، خاصة بعد المطالبة الصريحة من كتلة "المعاهدة" السياسية، التي هي في النهاية مجرد مطلب و رأي،  بمحاسبة بعض القنوات الفضائية المتهمة بتشجيع الاثنية، والطائفية، والقبلية، وغيرها من مرادفات تلك المصطلحات التي يجب أن يسعى الجميع، وفي مقدمته من يفترض أنهم من قادة الرأي العام في وسائل الإعلام، للوقوف ضدها، وطمسها في مكب النفايات والمخلفات الاجتماعية التي يحاربها الجميع، وفي مقدمته الدولة، خاصة منها مايسمى بمخلفات الرق والإرث الانساني.

تحدث سعادة السفير السابق، في المقال الذي كتبه تحت عنوان "صبرا عائلة الإعلام" عن تفهمه لـ " الصدمة" التي حصلت لبعض وسائل الإعلام و الروابط الصحفية من النقد اللاذع و المطالبة  بتعسير المحاسبة المسطر في بيان "المعاهدة"، وتناسى الترويع الذي تحدثه وسائل الإعلام هذه لجمهور المتلقين، سواء كان "ترويع الفتنة" الذي تمارسه بعض القنوات من خلال استضافتها لغلاة المتشددين، من حركة "إيرا"، ونظرائهم من "البيظان" الذين بدأت تستفزهم تلك الإساءات، أو "ترويع الفئة"، وأقصد هنا الفئة المثقفة، المتعلمة، التي يستفزها مشهد الجهوية والقبلية المقزز على هذه القنوات، وكأننا عدنا القهقري، بدل صعود سلم التقدم الحضاري في دولة مدنية يحكمها رئيس جمهوري، مسنود بحزب حاكم، ولديها معارضة ديمقراطية، ودستور قائم. وبالمناسبة فمصطلح "الصدمة والترويع" مفهوم استراتيجي عسكري، كان شعار الغزو الأميركي للعراق عام 2003 .  

ورفع السيد داهي "عمامته" تحية لموقف الحكومة الذي لم يتجاوز تسجيل الأسف لتكرار الأخطاء المهنية خصوصا منها المتعلق بالركائز الراسيات للأمة الموريتانية كالإسلام و الوحدة الوطنية و الترابية مؤكدا أن مثل تلك التجاوزات لن تستفز الحكومة و مذكرا الإعلاميين بواجب استحضار و "تشغيل" الوازع الإسلامي، والوطني، والمهني، وهنا أذكر نكتة حقيقية رواها لي إعلامي سوداني رافق الرئيس السوداني جعفر نميري في العديد من زياراته الخارجية، يقول الإعلامي إن نميري كان في زيارة للسادات في عز الهجمة العربية على مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد، وخلال جلسة المباحثات، كان أحد مساعدي السادات ينحني عليه بمعدل دقيقة تقريبا حاملا معه برقية بشأن المواقف العربية المنددة، وأثناء استلامه لإحدى تلك البرقيات نظر إلى السادات قائلا : تعرف ماتقول هذه البرقية، تقول إن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قرر قطع العلاقات مع مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأضاف بالمصري (أقطع دراعي إزا كان الصالح ده يعرف كامب ديفيد دي ست واللا راجل)، وأنا  أقطع ذراعي الاثنين، إذا كنتم سعادة السفير وحكومتنا الموقرة، تقدرون فعلا خطورة الانفتاح الإعلامي الذي أقدمتم عليه، وأبسط دليل على ذلك، حادثة المصحف الشريف، الذي كان وطأ حريقه الإعلامي، أشد من شرارة المنكر الذي أقدم عليها أحد عتاة الملحدين اللذين باتوا مكشوفين في البلد، تذكرون جيدا ونذكر معكم أن سيادة الرئيس لم يخرج في ذلك اليوم مستقبلا التظاهرات القادمة إلى أسوار القصر كما جرت العادة، وإنما خرجت عناصر الشرطة والحرس لملاقاتها في الساحات العمومية، والأهم من ذلك خروج العلماء وتعاقبهم في ذلك المساء وتلك الليلة على شاشة التلفزيون الوطني، بفقه العالم، وفضل العابد، حتى استحقوا سحب نياشين الجنرالات، وجعلوا من تلك النار الحارقة بردا وسلاما على هذا الشعب العاطفي سريع الاشتعال، كما هو سريع الذوبان. وتتذكرون ونتذكر معكم جميعا أنه وفي اليوم الموالي تقدم السيد، الأخ والصديق، حمود ولد امحمد، رئيس سلطة "الهابا" باستدعاء هذه القنوات لتوجيه نفس النصح والتوجيه، وبعد هذا الاستدعاء الثاني، من حقنا أن نتساءل هل تمت الاستجابة لذلك النصح والتوجيه؟.

المادة 32، من الأمر القانوني 017 - 2006 حول حرية الصحافة، واضحة وصريحة في هذا المجال، حيث تقول بالنص "يعاقب بوصفهم متمالئين في عمل جنائي أو جنحي، أولئك الذين يحرضون مباشرة أو عن طريق: إما خطب أو صراخ أو تهديد موجه في أماكن أو اجتماعات عامة، أو عن طريق كتابات أو مطبوعات أو رسوم أو نقوش أو صور أو أي وسيلة للكتابة أو للصوت أو للصورة، مباعة أو موزعة في أماكن أو اجتماعات عامة، سواء عن طريق الإلصاق أو أية وسيلة أخرى للعرض على مرأى العموم أو عن طريق أية وسيلة سمعية بصرية، يعاقب هؤلاء الفاعلون إذا كان الفعل قد تبع التحريض. ويطبق هذا الحكم كذلك إذا تبع التحريض محاولة جرم".

وفي الفصل الثاني من دفتر الالتزامات، المفترض أن مشغلي القنوات الفضائية من أصحاب الرخص التلفزيونية قد قرأوها ووقعوها، وتعهدوا بالالتزام بها، تنص المادة التاسعة من الفصل الثاني المتعلق بالتزامات وواجبات السلوك المهني، أن  يسهر موفر الخدمة في كافة برامجه أو إعادته بث البرامج بشكل خاص على عدم المساس بالقيم المقدسة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، كما حددها الدستور، خاصة تلك المتعلقة بالإسلام،و الحوزة الترابية والوحدة الوطنية. و عدم التبجيل أو خدمة مصالح أية مجموعة سياسية، أو عرقية، أو اقتصادية،أو مالية،أو أيديولوجية،أو فلسفية، أو مجموعات ضيقة أو طائفية؛ و أن لا يبث، بأي حال من الأحوال، برامج تروج بشكل صريح أو ضمني للعنف أو تدعو إلى التمييز العرقي، إلى الإرهاب أو إلى أي عنف ضد شخص أو مجموعة أشخاص، خاصة على أساس أصلهم أو جنسهم أو انتمائهم لمجموعة أثنية أو قومية أو  عنصر أو دين معين. فياترى أين ماتبثه قنواتنا الفضائية من هذه الالتزامات؟.

وطننا – وكما قلت في تدوينة سابقة – بحاجة إلى تجسيد احترام القانون، لا أكثر، فدولة القانون أرقى وأسمى من دولة الفوضى، وحرية الصحافة لن تضيف لنا شيئا إذا مزقتنا، وفرقتنا، وأذكت نار الطائفية بيننا،  وتذكرون جيدا تصريح المرشح للرئاسة، ابراهيما مختار صار، الذي قال في حملته الأخيرة من مدينة ازويرات إن شريحته لاتوجد لديها قناة تلفزيونية، يقول هذا وهو مرشح لرئاسة أمة، ويتحدث عن الشرائح، هذه الشرائح التي وصلنا إلى عهد قريب لانسمع عنها إلا عند موزعي بطاقات موريتيل وشنقيتل وماتيل.

وإذا كان الهدف من هذا كله أن ننافس على حرية الصحافة،  ل تعلمون من نافس موريتانيا عربيا على صدارة حرية الصحافة في التصنيف العالمي الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود" في الثالث من مايو الجاري، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، إنها جزر القمر.

كل يوم ووطننا بخير، وصحافته بخير.