عن مجلس الشباب وشباب المجلس

أربعاء, 2015-10-21 17:38
محمد مولود بن محمد سالم

عندما فاز المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند برئاسة فرنسا في انتخابات مايو 2012 بدأت التساؤل يطرح حول الموقع الذي ستشغله سيغولين رويال مرشحة الحزب لرئاسيات 2007 ورفيقة هولاند التاريخية؛

كان التساؤل ينطلق من المكانة السياسية لرويال وحظوتها الخاصة لدى هولاند، وهي من هذا المنظور مرشحة في نظر المراقبين لتقلد أعلى المراتب في النظام الفرنسي الجديد..

قدم الحزب الاشتراكي رويال في الانتخابات التشريعية الموالية على رأس قائمته في دائرة لاروشيل وسماها مرشحته لرئاسة الجمعية الوطنية(هرم السلطة التشريعية) بما يعنيه ذلك في النظام الديمقراطي، لكن رويال أخفقت في دخول الجمعية الوطنية!

فهل كان ذلك فشلا شخصيا لها أم هو تزوير انتخابي لإقصائها؟

كلا بالطبع لا هذا ولا ذاك....

لقد مثل الإعلان التشكلة الجديدة للمكتب التنفيذي للمجلس الأعلى للشباب مناسبة للعديد من الزملاء والأصدقاء والمعارف ممن جمعتني بهم دروب الحياة الدراسية والجمعوية والثقافية والمهنية، ابدوا خلالها بعض الاستغراب الممزوج بشي ء من التساؤل وعدم التفهم لغياب اسمي عن التشكلة المذكورة؛

ولئن كان فيض المشاعر هذا قد مثل بالنسبة لي أغلى امتياز وارفع تقدير نلته حتى الآن آمل أن أكون أهلا له، وان اوفيه حقه من الغبطة والامتنان، فإنه بالمقابل يمنحني الفرصة المناسبة لإبداء الرأي حول الهيئة الشبابية الوليدة - التي طالما كان استحداثها مطلبا لجل الشباب وانا من بينهم- وتقديم بعض الاقتراحات للطاقم الشبابي الذي أنيطت به مهمة قيادتها، عساها تشكل مساهمة متواضعة في التأسيس لجهد وطني ينبغي أن يتعزز ويتكامل ويتضافر في سبيل التنمية المستحقة لهذا الوطن الغالي؛

ويتعين من باب الأمانة أن أشيرا بدءا إلى أنني تقدمت للمشاركة في المجلس في مراحل تشكله المختلفة انتهاءا بمقابلة اللجنة، واعتقد من خلال المسار وبحكم سابق المعرفة العامة ببعض من ظهرت اسماءهم في التشكلة الجديدة ان غيما من الموضوعية قد ظلل سماء الاختيار؛

... لقد شاء القدر أن يتجه اهتمامي باكرا للعمل الشبابي بشكل عفوي لفترة، وبدافع الاختيار والقناعة في المراحل اللاحقة، وهكذا كان العمل الجمعوي في النوادي المدرسية والرابطات المحلية للشباب أولويتي الثانية بعد الدراسة بل واحتل الصدارة في بعض الأوقات، ومع الوقت نضجت تلك الممارسة وتعززت عندما توليت رئاسة نادي اليونسكو بموريتانيا الذي أتاح لي العديد من فرص التكوين والإطلاع سواء من خلال العمل الوطني او من خلال الحضور والمشاركة في التظاهرات العالمية، وكانت فترة العمل النقابي في الجامعة وتمثيل الطلاب في بعض المجالس والهيئات الإدارية والأكاديمية للجامعة إضافة أخرى مهمة في مسار عملي الجمعوي مع الشباب، ولاحقا من خلال العمل منسقا لبعض المشاريع المدعومة من شركاء بلادنا في التنمية والموجهة لدعم قدرات الشباب في ما يتعلق بالمشاركة السياسية وإشكالات البطالة وتحدي التعليم والتكوين والتمكين، ليأتي اختياري ممثلا للمنظمة العالمية للتطوع مكملا لمشوار العقد من الزمن في العمل الشبابي؛

ولقد شكل هذا المسار فرصة للالتقاء بعينات معتبرة من الشباب الموريتاني من مختلف الجهات والمشارب والتوجهات والعمل معها الشيء الذي أتاح لي تكوين وجهة نظر شاملة حول الهم الشبابي مستمدة من واقع الشباب نفسه ؛

ومع كل ظهور إعلامي، او مشاركة خارجية، كنت أحظى واشعر بدعم واحتضان من لدن عدد من هؤلاء ممن اعرفهم ومن لا اعرفهم أيضا، فكثيرا ما كانو يغدقون علي من الثناء ما لا استحق، ويحطونني بأكاليل الرعاية والمؤازرة جزاهم الله أحسن الجزاء، ولعل ذلك ما جعلهم يفتشون عني في كل حدث أو قرار يعني الشباب، أعانني الله وإياهم على الوفاء لالتزاماتنا الوطنية والإنسانية.

وبالمقارنة مع الشباب في بلدان أخرى على ضوء التجارب والمشاهدات التي اتاحتها فرص المشاركة في بعض المؤتمرات والمنابر الإقليمية والدولية حول الشباب، يمكن القول دون عميق تحليل إن الشباب الموريتاني يعتبر الأكثر رغبة وتعلقا بالشأن العام، والأكثر استعدادا لتقديم الجهد المطلوب في سبيل عمل وطني جاد،إذ لا تمثل الماديات والامتيازات مطلبا أساسيا له في مقابل الدور والمكانة والمساهمة الحية، وهو مكسب ثمين ونادر يتعين الاستفادة منه كمنطلق لإنجاز شيء ما لصالح هذا الشباب الذي يستحق بكل تأكيد حالا أفضل مما هو عليه الآن.

ولعل ذلك سيمثل أو –يفترض- ان يمثل المهمة الرئيسة للمجلس الأعلى للشباب، ذلك ان حجم التطلعات وجسامة التحديات سيحتمان على قيادة المجلس سبر كل الأغوار وسلك الدروب مهما كانت شائكة في سبيل رسم معالم خارطة طريق آمن تقود الشباب الموريتاني لأخذ دوره ومكانته المشروعة في الحياة الوطنية، وتجعله شريكا فعالا ومساهما رئيسا في تحقيق التنمية المنشودة؛

وسيتطلب ذلك - من بين أمور عديدة- اتخاذ خطوات وإجراءات هامة لاستعادة ثقة تكاد تكون معدومة لدى الشباب نتيجة فشل العديد من التجارب وتعذر الكثير من الوعود، مما ولد إحباطا مزمنا لدى فئة واسعة من الشباب اتجاه المؤسسات والبرامج العمومية؛

كذلك السعي لإيجاد اكبر شراكة ممكنة مع الشباب بمختلف أطيافه تأكيدا على مأسسة وعمومية الهيئة الشبابية وكونها بالفعل لكل الشباب الموريتاني؛

ثم - ولعل ذلك الأهم في البداية- إحداث قطيعة جدية مع البيروقراطية والروتين الإداري الذي طالما كان المعيق الأبرز والسبب المباشر في الشلل الذي تعانيه مختلف مرافق الدولة، الشيء الذي لا يتناسب البتة والحيوية المطلوبة من جسم شبابي وليد ينتظر منه الكثير والعديد؛

وبالتأكيد فإن مطاردة حثيثة يجب أن تبدأ توا لاستقطاب واكتساب واحتضان ما يمكن من القوى الشبابية الفاعلة والمؤثرة في الساحة الوطنية والكفاءات الشابة في المهجر، لتشكل الدعامة والظهير لتصورات وخطط العمل المستقبلي للمجلس؛

لقد أثبتت التجارب- على ندرتها- أن الشباب عندما يعهد إليه بالمسؤولية غالبا ما يحسن قوامتها، ويرعى هيبتها وقداستها حق رعايتها، والمتطلع على بعض القطاعات الأساسية التي وصلتها طلائع النخبة الشبابية كما هو الحال مع وزارات(العدل،الخارجية، الداخلية،المالية) يلحظ بعض التحسن والانسيابية في معالجة الملفات الذي اضفته الممارسة الشبابية على محدوديتها حتى الآن؛

آمل أن لا يكون غياب بعض الأسماء المألوفة لدى الجمهور والمرتبطة في ذهن المتابع بتبني قضايا الشباب والدفاع عنها في مختلف المنابر، سببا في الحكم المسبق على الهيئة الوليدة وطاقمها الجديد، فكم من عبقري مغمور وكم من مظلوم في السجن، وبكل تأكيد فإن من بين أعضاء المجلس الحالي من لهم دورهم وحضورهم المعروف، وربما يكون من المناسب والمنصف أن نمنحهم بعض الوقت وأن نمد لهم يد العون والمساعدة متى طلبوا ذلك، ثم نحكم عليهم لاحقا بعد تقييم أداءهم الفعلي؛

ثم إن غياب بعض ممن كان يتوقع ظهورهم في التشكلة لا يعني بالضرورة تحجيما أو تقزيما لدورهم ومكانتهم والمساهمة التي يمكن ان يقدموها لصالح الشباب والبلد بصفة عامة، فباقي تشكيلات وهيئات المجلس لم تكتمل بعد، وفرص ومنابر خدمة الشباب وطرح قضاياهم ستظل متاحة وتخلق عند الحاجة ولن تكون حصرية ابدا، فالوطن يحتاج والشباب قادر؛

وبالعودة ختاما لقصة سغولين رويال وعدم ظهورها المفاجئ في واجهة النظام الفرنسي حينها، فقد عادت لتظهر أخيرا في حكومة مانويل فالس ممسكة حقيبة البيئة والتنمية المستديمة والطاقة وهي المشرفة الآن على تحضير قمة المناخ المرتقب انعقادها في باريس نهاية السنة الجارية؛